عاد الجدل السياسي في العراق حول مفوضية الانتخابات من جديد الاسبوع الماضي بسبب التعيينات الجديدة في هيكلها الاداري.. شكوك واتهامات بعودة سيطرة الاحزاب عليها ودخولها من نوافذ مكاتبها الادارية،. اذا ما أغلق الباب حقيقة بوجهها بعد تعيين مفوضية جديدة من قائمة تضم تسعة قضاة أقرها البرلمان مؤخرا،. بعد ثورة شعبية عارمة وحراك جماهيري لم يتوقف.

وهناك من يرى - ومنهم أياد علاوي رئيس ائتلاف الوطنية على سبل المثال وهو من اركان العملية السياسية الفاشلة - أن هذه التعيينات هي إستمرار لنهج المحاصصة الذي سارت عليه المفوضية على مدى الدورات البرلمانية الماضية،. وربما تكون واحدة من المؤشرات على نية الحكومة المؤقتة على الاستمرار طالما ( لم يتم تحديد موعد للانتخابات المبكرة وعدم المباشرة بتعديل قانون الانتخابات ومفوضيتها ) على حد قوله ..

وازالة تلك المخاوف تكمن ليس في الوفاء بالالتزام بتحديد موعد لاجراء الانتخابات المبكرة فقط وانما في ضمان نزاهتها أيضا،. ولن يتحقق ذلك الشرط اذا ما صحت تلك الشكوك باختراق الاحزاب لمفوضية الانتخابات مرة اخرى بهذه التعيينات..

اجراء الانتخابات عمل من صميم واجبات الدولة وهي عملية سهلة،. وليست بذلك التعقيد لولا الاحزاب والمحاصصة ومغانم السلطة واستسهال الحصول عليها من خلال هذه العملية وقانونها..

الديمقراطية تفرض تحديد دور الاحزاب في الانتخابات،. وهو معروف،. ولا يتعدى المشاركة والتنافس فيما بينها على الاصوات،. والاعتراض اذا ما تولدت لديها شكوك في أمر ما في العملية من خلال المراقبين يوم الانتخابات... وكفى..

إن العملية الانتخابية عندنا في العراق تجري كل اربع سنوات،. فلا تحتاج الى مفوضية وملاكات وظيفية وموازنات وهدر للاموال،. ومع كل تلك التضحيات والنفقات لم تثمر عن شيء ايجابي للعملية الديمقراطية فقد كانت تلاحقها الشكوك في النزاهة والتزوير وسرقة الاصوات،. وما الى ذلك من أمور اعتدنا سماعها في كل انتخابات...

العملية ببساطة تحتاج الى جهة تتمتع بالنزاهة والحيادية ، دون ان تكلف الشعب في ظرفه الاقتصادي الصعب أموالا ، والقضاء هو أفضل من يطمئن الجميع،. ليقوم بالمهمة بديلا عن مفوضية كانت موضع اتهام ودفاع في كل إنتخابات وتمكين الاحزاب من السيطرة كل هذه المدة،. واذا ما تحقق ذلك تكون هذه الحكومة قد وضعت لبنة في الاساس لتراجع نفوذ الاحزاب وسيطرتها وصعود وجوه جديدة غير محسوبة عليها،. وتقترب من مطالب الشعب العادلة التي عبرت عليها ثورة تشرين..

والدستور هو الضامن لإستقلال القضاء وحياديته،. وصفات القاضي تنأى به عن الشكوك وتبعث الاطمئنان في النفوس وأهمها العدالة وعدم المحاباة والتحزب والتحيز لهذا الطرف أو ذاك..

وليس هناك جهة أنسب من مجلس القضاء الاعلى في الظرف الحالي لينتدب لهذه المهمة الخطيرة والاشراف عليها من خلال قضاة يتولون هذه المهمة تعاونه إدارات المدارس في عملية تنظيم الانتخابات في مراكز الاقتراع التي تجري عادة في المدارس،. ووزارة التخطيط أو أي جهة تنسب اليها مهمة تهيئة أسماء الناخبين وغيرها من المهمات،. خاصة وان قوائم الاسماء متوفرة،. إذ لم يمض وقت طويل على الانتخابات الماضية...

وبذلك يكون مجلس القضاء الاعلى قدم خدمة تطوعية وطنية جليلة اخرى للبلاد عله يرسم معالم طريق جديد،. و مرحلة جديدة يرسم ملامحها الحقيقية صوت المواطن عندما يذهب لمستحقه دون تلاعب او تزوير.؟

ومن يعترض ويتحجج بالدستور او غيره من الامور.. عليه أن يتذكر كم مرة خرق الدستور لمصلحة الاحزاب والكتل.

* كاتب صحفي واعلامي عراقي ودبلوماسي سابق