بتحذّيره من "تدخل مباشر" للقوات المصرية في ليبيا، إذا واصلت ميليشيات حكومة فايز السراج تقدمها نحو سرت، وضع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي النقاط على الحروف فيما يتعلق بالتدخل العسكري الوارد في ليبيا حماية للأمن القومي المصري.
في ليبيا المفككة منذ 2015، يتنازع فريقان على السلطة، الأول يمثله قائد الجيش الوطني الليبي المشير "خليفة حفتر"، ويسيطر على أكثر من ثمانين في المائة من البلاد بما فيها مناطق النفط ، والثاني يمثله رئيس حكومة الوفاق "فايز السراج" ويسيطرعلى أقل من عشرين بالمئة من البلاد ويتحصن في العاصمة طرابلس.
السراج لجأ إلى رئيس تركيا "رحب طيب أردوغان" الطامح في توسيع مشروعه الاستعماري، والطامع في ثروات ليبيا وشرق المتوسط، وما لبث أن شرع اردوغان لاول مرة منذ سقوط الخلافة العثمانية قبل نحو مائة عام في ركوب البحر المتوسط، وارسل عشرات الالاف من المرتزقة السوريين للقتال تحت علم حكومة "فاير السراج" المنتهية شرعيتها منذ نحو عامين، والأخطر أنها تمثل امتدادا لكل التنظيمات الارهابية من إخوان ودواعش ونصرة وغيرهم، هذه الميلشيات عملت على صد هجوم الجيش الوطني الليبي على طرابلس بدعم جوي وبحري تركي، ونجحوا مؤخرا في كسر طوق الجيش الوطني الذي حاصرهم عاما، وهزموه في ترهونة وبني الوليد وتقدموا باتجاه سرت شرقا، وتخيلوا أن حلمهم بالاستيلاء على منطقة الهلال النفطي باتت قريبة، فوجئوا بعدها بتحذيرات القيادة المصرية بأن سرت والجفرة خط أحمر فانهارت أحلامهم، وفاق اردوغان من أوهامه، وبدأت أبواقه في الحديث عن الحل السياسي.
أعتقد أن التطورات في ليبيا وشرق البحر المتوسط ما هي الا لعبة أشبة بلعبة بوب جي، لعبة خطرة ، لأنها ثلاثية الأبعاد، الحركات فيها بسيطة في الظاهر، مُعقدة لديناميكياتها المتضاربة، وتباين مصالح اللاعبين، فتركيا وكيل واشنطن في المنطقة ، تسعى من خلال القفز على ليبيا لعرقلة التعاون بين اليونان وقبرص ومصر في اقتسام غاز المتوسط مع تعزيز موقعها جنوب اليونان.
والحقيقة أن الحرب ليست بين الليبين وحسب بل يشارك فيها فرقاء إقليميون ودوليون، التحق بهم الروس مؤخرا واصطفوا مع الفريق المنتصر، ودعموا حفتر ودمروا القدرات الجوية عند حكومة السراج، بما فيها طائرات الدرونز التركية، أما واشنطن فتبنت موقفا متذبذبا، هي تنتظر من ينتصر في النهاية، لذا حافظت على علاقات مع الفريقين في العلن، تصدر بيانات تساند حكومة السراج ،وفي نفس الوقت يتصل ترامب بالمشير حفتر ويؤكد له دعمه في حربه ضد الإرهاب.
أما الأمم المتحدة فليس لها حس ولا خبر، فلا ساكن البيت الأبيض يعترف بدورها، ولا هي تفعل اكثر من بيانات، تفرض حظرا على ارسال السلاح إلى ليبيا، ولا تنفذه ، بدليل الأسلحة التي تتدفق على ليبيا من كل مكان، والمرتزقة الداخلون اليها من الجو والبحر.
السؤال هل يقلب الروس الطاولة على الأمريكان، ويدعموا الجيش الوطني الليبي في تحريره للعاصمة طرابلس، ويضعوا نهاية لثماني سنوات من القتال العبثي؟ وهل يقدم الأتراك على الرصاصة الأخيرة وهي نقل الاف المقاتلين الدواعش الفارين إلى تركيا نتيجة الاتفاق التركي الروسي في سوريا لتعزيز موقف السراج في مواجهة الجيش الليبي؟
الأيام المقبلة ستبين إن كان اردوغان الذي تقود قواته المعارك جوا وبحرا وارضا مع المرتزقة الذي جلبهم من سوريا سينجح في التقدم، وكسب الحرب في المدن الشرقية أم سيفشل؟ فإن إستولت هذه الميلشيات على سرت وبنغازي سيغير ذلك قواعد اللعبة ليس في ليبيا وحدها بل في المنطقة برمتها، وأعتقد ان هذا مستبعدا في الوقت الراهن ، فساحة الحرب لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، وتبدو هذه الساحة الأكثر ضجيجا على الرغم من طرح مبادرة توافقية في القاهرة من قبل قائد الجيش الوطني الليبي المشير "خليفة حفتر" ورئيس البرلمان "عقيلة صالح" برعاية مصرية ، مباردة رفضها "اردوغان" وحليفه "فايز السراج"، وهي ليست كما يزعم البعض مبادرة المهزوم ، بل على العكس ربما تكون أفضل مقترح للسلام، يجمع كل الفرقاء، مقترح يتحدث عن حكومة من رئيس ونائبين، ومرحلة انتقالية، ودستور جديد، وانتخابات، واظن أن إعلان القاهرة ربما سيكون كسابقيه ما لم تضمن القوى الدولية تنفيذه على الأرض، حينئذ سيكون الخيار العسكري هو الأمثل لحل الأزمة الليبية.
التعليقات