المسألة الليبية، ليست صراعًا بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب أردوغان. ليست صراعًا شخصيًا على الزعامة في المنطقة العربية، بين رئيس جنرال قادم من المؤسسة العسكرية في مصر، وبين رئيس مدني قادم من أعماق الحركة الإسلامية الإخوانية. وليست تنافسًا على زعامة على الدول السنية، في مواجهة الهلال الشيعي بزعامة إيران.

الأزمة الليبية، ليست صراًعا أيديولوجيًا، بين معسكرين في مصر وتركيا، ليست حربًا بين العسكر في القاهرة، ومن يتدثرون بعباءة الإسلام في أنقرة.

القضية الليبية ليست شيئًا من ذلك، كما يحاول البعض تصويرها حتى يتم تفريغها من مضمونها الحقيقي، ولكنها نضال ضد الاستعماريين الجدد، ضد من يحاولون سرقة الأرض والثروة، تحت شعارات وهمية، ينخدع بها البسطاء، ويحلو للخبثاء من أصحاب المصالح الخاصة ترويجها.

يقولون لك "المرجفون"، إن مصر تسعى لاحتلال ليبيا، وسيقولون لك إنها صراع بين السيسي وأردوغان، وأنها مسألة شخصية بين الرجلين الندين الغريمين، ويأتي الرد البليغ من الشيخ حافظ خطاب، حفيد المجاهد الليبي الكبير، عمر المختار، موضحًا أن المسألة سياسية بامتياز، ويؤكد أن: "مصر وشعب مصر وأشقائنا في مصر هم الأقرب لنا عرفيا اجتماعيا وجغرافيا وتاريخيا".

جاء رد حفيد عمر المختار أثناء حضوره لقاءا موسعًا ضم شيوخ وزعماء ووجهاء القبائل في ليبيا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، في تأكيد على أن مصر، لم ولن تعتدي على ليبيا، بل تقف معها في خندق واحد ضد الأطماع التوسعية لتركيا الجديدة.

وها هم أحفاد عمر المختار على درب النضال سائرون، وإلى مصر لاجئون وبحضنها محتمون. وهذا ما أكده الشيخ حافظ خطاب، في كلمته أمام السيسي، وقال: " نحن أسرة واحدة وشعب واحد وأقول لكم يا سيادة الرئيس إن مشايخ وقبيلة أولاد علي من أبناء عمومتنا هم مصريين ونحن ليبين نحن شعب واحد لا نقبل التفريق بين الشعب الليبي والشعب المصري، أما من ناحية التفويض، فصاحب البيت لا يستأذن في دخوله، ولكن سلطتنا الشرعية والمعترف بها دوليا مجلس النواب الليبي وسيادتكم كلفتم بقرار مجلس النواب الليبي بالسماح للجيش المصري بالتدخل حماية لليبيا وأمنها القومي وحماية الأمن القومي المصري الذي هو لصيق بالأمن القومي الليبي ومصير واحد".

وأضاف مؤكدًا على استمرار النضال المصري الليبي ضد الاحتلال التركي الجديد: "نحن أحفاد عمرو المختار، نحن نسير على درب أجدادنا الأولين، فقال المختار ( لا نستسلم .. ننتصر أو نموت) ونحن لا زلنا على هذا".

يحاول "المرجفون" بكل قوة في المرحلة الراهنة وعبر وسائل متعددة، طمس التاريخ، وتزيف الحاضر، ويسعون إلى طمس النضال المصري الليبي، ضد الاحتلاليين العثماني والإيطالي. فمصر كنت ومازالت أرض الليبيين في نضالهم ضد الاحتلال، إليها لجأ جميع المجاهدين، على رأسهم الملك إدريس السنوسي، والشيخ عمر المختار.

ولعل الجميع شاهد فيلم "عمر المختار"، وإذا لم يكن أحا قد شاهد، فيمكنه أن يستدعي الفيلم عبر «يوتيوب»، لكي يشاهد سيرة المجاهد عمر المختار، وكيف أن مصر ساندت ودعمت وشكلت الحضن والحصن الآمن للأخوة الليبيين، وأمدتهم بالأسلحة والعتاد والرجال، حتى إن إيطاليا ضاقت ذرعًا بهذا الدعم، وشيدت سورًا شائكًا بطول الحدود بين مصر وليبيا، ويظهر هذا جليا في مشهد قتل المجاهدين على هذا السلك الشائك، أثناء محاولتهم العبور إلى مصر.

وحتى لا يكون الكلام مرسًلا، سوف أحيلكم إلى كتاب مهم جدًا، يضم رسائل بخطوط أيدي المجاهدين الليبيين، يتحدثون فيه عن علاقتهم بمصر، وهو كتاب «رسائل عمر المختار وإدريس السنوسي.. سنوات اللجوء والمقاومة»، للكاتبة والباحثة التاريخية إيناس مرشد.

يدور الكتاب حول أسرار المقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي الذي احتل ليبيا في سبتمبر 1911م من خلال الرسائل الخاصة بكل من شيخ الشهداء عمر المختار والملك إدريس السنوسي، ويكشف أيضًا عن المذكرات الشخصية للملك إدريس السنوسي، ويتناول الكتاب فترة مهمة في تاريخ ليبيا من بداية الاستعمار الإيطالي وخيانة الدولة العثمانية لليبيا وتسليمها للإيطاليين بموجب معاهدة لوزان عام 1912م وتركها الليبيين يواجهون وحدهم مصيرهم مع الاستعمار، كما يتضمن الكتاب تفاصيل السنوات التي قضاها الملك إدريس السنوسي في مصر خلال فترة لجوئه إليها قبل أن يصبح ملكًا وبعد الإطاحة به في سبتمبر 1969م وحتى وفاته.

أهمية هذا الكتاب في رؤيتي ليست فقط لما يحتويه من رسائل ووثائق مهمة ونادرة ينشر معظمها لأول مرة، لكنه يعد دليلًا ضروريًا ينبغي لكل ليبي أن يهتدي به، خاصة في تلك الفترة التي يحاول فيها الأتراك استعادة إمبراطوريتهم العثمانية بالسلاح على الأراضي الليبية، لذلك فإن استحضار روح عمر المختار والمجاهدين الأوائل ستكون كلمة السر في التصدي للعدوان العثماني الجديد، حسبما جاء في تصريح لإيناس مرشد، نشر بتاريخ 22 يناير الماضي، في صحيفة الدستور المصرية.

كما يتحدث الكتاب أيضًا عن دور مصر في مساندة كفاح الليبيين خلال فترة الاستعمار الإيطالي لليبيا وكذلك بعد حصول ليبيا على استقلالها، ويتناول علاقة الملك إدريس السنوسي بمصر خلال سنوات لجوئه إليها للدعاية لقضية بلاده في الصحف المصرية وتأسيس الجيش السنوسي في مصر في الكيلو 9 بمنطقة أبي رواش لمواصلة المقاومة وأيضا سنوات لجوئه في عهد عبد الناصر بعد الإطاحة به في سبتمبر 1969 وحتى وفاته في مصر وعلاقته برؤساء مصر الثلاثة عبد الناصر والسادات وحسني مبارك، وفقًا لتعبير مرشد.

وحتى لا ننسى التاريخ، ويعرف القاصي والداني في مصر وليبيا والعالم العربي كله من المحتل الخائن ممن على العهد باق، سوف أسوق بعضًا من سيرة عمر المختار، وبالوثائق المنشورة في كتاب «عمر المختار ورجاله: سيد شهداء القرن العشرين»، لعصام عبد الفتاح، وجاء في الكتاب: "في عام 1911 قررت إيطاليا القيام بعملية عسكرية لاحتلال ليبيا، التي كان وقتها ولاية عثمانية. وبدأت إنزال القوات في مدينة بنغازي. وقرر الشيخ عمر المختار التصدي للاحتلال الإيطالي، وجمع نحو ألف من شباب ليبيا للقتال، وطلبت من الدولة العثمانية إلحاق المقاتلين بالجيش العثماني، وقد كان، إلا أنه في 1912، تعرض عمر المختار للخيانة مع العثمانيين، وسلموا ليبيا إلى الإيطاليين، بل هربوا بالأسلحة والعتاد إلى الأستانة".

وفي مقابل الخيانة العثمانية، جاء الوفاء المصري للإخوة في ليبيا، حيث لجأ إليها الأمير إدريس السنوسي، وكان يقوم الثورة ضد الإيطاليين، ولجأ عمر المختار إلى مصر أيضًا، وأقام فيها، وكانت تمثل له المدد والدعم المستمر.

وجاء في كتاب "عمر المختار" لطاهر الزاوي، أن" عمر المختار وسع دائرة عملياته إلى الناحية الشرقية في الدفنا، نظرًا لقربها من الحدود المصريَّة وذلك حتى يتمكن من إرسال المواشي التي يأتيه بها الأهالي إلى الأسواق المصرية، في نظير أخذ حاجته من هذه الأسواق، مما جعل غراتسياني يقرر إقامة الأسلاك الشائكة على طول الحدود الشرقيَّة. وقد تكلَّفت الحكومة الإيطاليَّة 20 مليون فرنك إيطالي حتى تمكنت من مدّ الأسلاك من حدود البحر المتوسط إلى ما بعد الجغبوب، وأدَّت النتيجة المرجوَّة، فحرمت الثوَّار من الإمدادات التي كانت تأتيهم من مصر".

من عجائب الدهر، أن الذين خانوا أهل ليبيا وسلموها للإيطاليين في 1912، هم من جاءوا إليها اليوم بعد أكثر من 108 سنة، ليحتلوها من جديد، بصفقة خبيثة مع أمريكا وحلف الناتو، ويتحدث أردوغان عنها بكل غطرسة ويقول إن " ليبيا إرث عثماني".

والأشد عجبًا، أن هناك ليبيون وعرب ومصريون ينخدعون بالكلمات الرنانة والتبريرات المزورة والمزيفة، وهي دعم حكومة الشرعية "المنقوصة" في طرابلس، ويؤيدون هذا الاحتلال وينسون أن هذا المحتل هو نفسه من احتلهم وأذلهم وخانهم وسلمهم لمحتل آخر ضمن صفقة استعمارية وقتها.

التاريخ يعيد نفسه، ولكن لا أحد يقرأ في ماضيه ويعتبره منه، ولا أحد يتعمق في الحاضر. قدر طرابلس أن تقع أولًا تحت الاحتلال الإيطالي، وقدر أهالي بنغازي وبرقة ومدن الشرق الليبي، أن يتصدوا للاحتلال بدعم من مصر وأهلها.

وفي الحاضر، قدر أهل بنغازي برقة وسرت والجفرة، أن يتصدوا للمحتل الجديد، وقدر مصر أن تكون إلى جوارهم، حضنًا وحصنًا آمنًا، وجيشها سند لهم.