إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق الايزيديين :
كان احتلال مدينة سنجارمن قبل وحوش داعش بداية لحملة وحشية للقضاء على الطائفة الإيزيديّة المسالمة،حيث شهدت المدينة واحدة من أفدح الإبادات الجماعية بحق الايزيديين, بعد أن سيطر تنظيم داعش الارهابي على المدينة في 3 أب 2014 , وقام بالتشريع، والتنظيم، والتخطيط الممنهج للاتجار بهم وقتلهم واسترقاق النساء والفتيات اللواتي تم اعتبارهن غنائم حرب وأخذهن كجواري وبيعهن في أسواق الرقيق في الموصل والرقة السورية والمناطق الاخرى مع وصفٍ تفصيلي لعمرهن أو مظهرهن البدني, اضافة إلى قتل الرجال والشباب الابرياء ودفنهم في المقابر الجماعية وخطف الأطفال بعد ان فُصلوا بشكل ممنهج عن عوائلهم وأجبروا على التدريب على القتال في صفوف داعش بعد ان غسلوا أدمغتهم و زيفوا وعيهم بوهم الخلافة الدموية.

لقد تم إضفاء الشرعية على هذه الجرائم مسبقاً من خلال نشر سلسلة من المعتقدات و المفاهيم الدينية ونشرالبيانات ﻋﺒﺭ ﺍﻹﻋﻼﻡ الداعشي ﻭﺍﻟﻤﻨﺘﺩﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻁﺭﻓﺔ والارهابية بخصوص السبي والرقّ وجرائم كثيرة اخرى ترقى إلى إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية منها الاغتصاب الجماعي والاعتداءات الجنسيّة على القاصرات والتزويج القسري المنظم وأكثر من مرة وبيعهن كمِلك يمين والخ من جرائم يندى لها جبين الانسانية.
ومن الجدير بالذكر ان اثناء غزوة سنجارفي أب اللاهب لجأ قسم من الايزيديين إلى جبال سنجار، في ظل ظروف بالغة القسوة من جميع النواحي. ومات ما لا يقل عن 1,700 شخص بسبب نقص المياه والطعام والدواء ( حسب التقارير الدولية ).
اورشينا ـ أرض السلام :

كاميران كمال خلف، شاب ايزيدي من مواليد سنجار 1996 , نزح مُرغَماً مع عائلته وعوائل كثيرة ايزيدية اخرى من مدينته الجميلة سنجار بعد اجتياح داعش لمناطق سهل نينوى ولسنجار ومحيطها في أب 2014، واستقر به الحال في مخيم ـ بيرسفي ـ في قضاء زاخو بمحافظة دهوك للنازحين بعد ان نجى من مخالب داعش الارهابي بأعجوبة أقرب إلى الخيال.

حول كاميران خيمته المهترئة إلى مكتبة متواضعة للاستعارة المجانية وتزويد النازحين بالكتب والمجلات والجرائد وذلك بهدف نشر وترسيخ ثقافة القراءة والمطالعة وتشجيع النازحين عليها كنشاط مفيد لقضاء وقت الفراغ و خلق جيل واعي و مثقف، من خلال زرع بذرة القراءة في كل خيمة وفي كل عقل.
كان كاميران يقتني الكثير من الكتب بالدَّين والقَرض اضافة إلى استقبال التبرعات البسيطة من اجل توسيع مكتبته المتواضعة. ومع مرورالزمن اصبحت خيمته مكانًا حميميًا للقراءة واللقاء والمناقشة، وكانت رائحة الاوراق والكتب تعطر الخيمة وتطارد اليأس والضعف وفقدان الأمل بعد ان تعرض اهل كاميران للإبادة الجماعية.
كان كاميران يحلم بتحرير مدينته ونقل مكتبه المتواضعة إلى احضانها , وفعلا تحقق حلم كاميران بعد ان استعادت مدينة سنجار من قبضة تنظيم داعش الارهابي , الذي احرق ودمر اكثر من 85 % من من المنشات المدنية والخدمات الحيوية والمنازل بشكل كامل مع تدمير المزارات الدينية الايزيدية بنسبة 100%
. اخيرا رجع كاميران من رحلة نزوح شاقة جداً استغرقت سنوات إلى احضان مدينته المنكوبة , و ترك عائلته في المخيم ليحقق حلمه ويبدأ بأنشاء أول مكتبة بعد جريمة الإبادة تضم الاف الكتب أسماها ـ اورشينا ـ اي أرض السلام أو موطن السلام ـ باللغة السريانية القديمة.

وها هي ارض السلام ,مدينة سنجارالمنكوبة , تلك المدينة التي تعرضت عبر تاريخها إلى عشرات الفرمانات والعزوات العنصرية في ظل هيمنة البداوة الدينية والقبلية تنهض مجدّداً كما ينهض طائر العنقاء من تحت الرماد بفضل دماء شهدائها واصرار ابطالها ,ابطال ايزيدخان , لتكون نقطة إنطلاقة جديدة نحو فضاء الاستقرار والبناء ونشرثقافة السلام وقبول الاخرفي المنطقة بهمة ,واصرار كاميران كمال ونادية مراد وليلى تعلو وبنات و أبناء ايزيدخان الذين لايعرفون اليأس والإستسلام والخنوع للظلم والإضطهاد.

اختتم مقالي بمقولة ـ لى كوان يو ـ مؤسس سنغافورة الحديثة وصانع النهضة الذي نجح في بناء دولة من العدم خلال قيادته لها لأكثر من ثلاثة عقود : لم يكن دورى أن أُغير سنغافورة، كان دورى أن أُغير الإنسان السنغافورى، وهو يغير سنغافورة.
وهذا هو ما يفعله اليوم الشاب الايزيدي كاميران عن طريق بناء مكتبة اورشينا لنشر الثقافة والمعرفة والعلم والاهتمام ببناء الشخصية العراقية الوطنية من حيث القيم والاخلاق والمهارات قبل بناء البيوت والمزارات المهدمة بصواريخ اردوغان ومدافع داعش الارهابي.
هناك عدد من الرسائل التي أرادت كاميران أن يوصلها الينا من خلال مشروعه المعرفي اورشينا , اهمها : تحيق الإستقرار والسلام بين جميع افراد ومكونات مدينته من مختلف الأديان والأعراق والمذاهب والقوميات و تغيير نظرة المجتمع السلبية والمشوهة تجاه الشعوب غير المسلمة.

لنقف مع الشاب الايزيدي كاميران الذي يقف اليوم شامخا وسط مخلفات الحرب و مخلفات البيوت والمزارات المهدمة من الحجارة والأعمدة الاسمنتية وغيرها ونحارب معه الافكارالعنصرية المقيتة والإرهاب والتشدد الديني وثقافة الكراهية بالفكر النير ونشر ثقافة قبول الاخر والتسامح وروح الألفة والمحبة بين جميع مكونات الشعب وليكن شعارنا: بناء البشر قبل الحجر.