تقبع الدول العربية كلها في مصاف الدول المتخلفة فيما يتعلق بحماية المرأة .. سواء من خلال قوانيها المعمول بها والتي وإن تفاوتت في ركاكة اللغة المستخدمة إلا أنها تتشارك كلها في الإستناد إلى القواعد الشرعية التي أفتى بها الفقهاء الأربعة ؟؟؟ أو من خلال النظرة المجتمعية النابعة من ذهنية تشرّبت دونية المرأة على مدى سنوات طويلة وإستفحلت خلال السنوات الأربعون الماضية .. وتبقى هذه الدول تتعلل بالخصوصية الثقافية لمجتمعاتها رافضة التغيير ومقتنعه بأن المرأة جوهرتها المكنونة برغم عذابات المرأة التي تراها .. وتتهرب من أي ملاحقة دولية فيما يخص إنتهاك حقوق المرأة والإنسان .. والأدهى أن الدول الغربية تغض النظر عن كل هذه الإنتهاكات في سبيل حماية مصالحها الإقتصادية مع الدول العربية .. كمن يقول لهذه الدول إذهبوا إلى الجحيم بمواطنيكم فكل ما نهتم به سيولتكم النقدية ؟؟؟؟ بما يؤكد حاجتنا لإصلاح مجتمعاتنا بمسؤوليتنا وبأيدينا نحن ...
مقالتي هذه ستتناول التأويلات المختلفة لعقوبة الإغتصاب في القوانين المعمول بها .. والسبب زيادة نسبة التحرش الجنسي بالمرأة في كل الدول العربية وبالتحديد في مصر الحبيبة على ضوء آخر حادثتين قرأت عنهما في الصحف المصرية .. ليست تجريحا لمصر التي أعتبرها مصباح المنطقة العربية في النور والتنوير .. ولكن لمحاولة الوصول إلى شيء من العقلانية ؟ وماهي الأسباب التي دعت وأدّت لتفاقم الظاهرة في مجتمعات تدّعي التدين والأخلاق العالية ؟؟ بينما يؤكد الواقع حالة مفجعة من التدهور الأخلاقي والقيمي ...
لن أقتنع بأن العامل الإقتصادي هو سبب هذه الظاهرة ؟؟ ربما يكون أحدها .. ولكن وفي الحالتين المعروضتين على النيابة ويجري التحقيق فيهما تؤكد حالة تنمُر وتحدي لكك القوانين من منفذين الجريمة ؟؟؟؟
قضية الشاب أحمد بسّام زكي طالب الجامعة الأميركية .. متحرش الإنترنت الذي نجح في التحرش بأكثر من 100 فتاة .. بينهن قاصرات لم يتجاوزن الرابعة عشرة..بدأت بتقديم 6 نساء شكوى للنائب العام بإتهامات الإغتصاب والإبتزاز والإعتداء عليهن..ولكن حجم هذه الإتهامات تزايدت بعد ظهور صفحة على الإنستغرام في يونيو .. مدعمة بنسخ من الرسائل الصوتية والنصية التي كان يرسلها لضحاياه ..لكسب تعاطفهن زاعما أنه يمر بأزمة، ثم يستدرجهن إلى منزله في مكان منعزل ويعتدي عليهن جنسيا" ويقوم بتهديدهن بإرسال الصور إلى آبائهن في حال رفضن الإنصياع لرغباته الجنسية. كلهن سكتن لفترة طويلة عن تحرشه ..إلى أن إنفجرت قنبلة الصمت بعد الشكوى الرسمية بالتحرش الجنسي التي رُفعت ضده عام 2018 من أل 6 نساء ؟؟؟
حالة الإغتصاب الجماعي التي قام بها مجموعة من الشبان الأثرياء والمتنفذون بتخدير شابة وإغتصابها عام 2014 في فندق الفيرمونت نايل سيتي في القاهرة .. وقام المجلس القومي للمرأة بتقديمها للنيابة العامة في شكوى الفتاة قبل أشهر قليلة .. بعد أن كشفت عنها مواقع التواصل الإجتماعي ؟؟
الشكاوي التي أكد على تلقيها المجلس القومي للمرأة والتي تزيد عن 400 شكوى ؟
يُعرّف الإغتصاب في مصر بجريمة هتك عرض . وقامت الحكومة المصرية عام 1999 بإلغاء قانونها السابق بإعفاء المغتصب من عقوبته في حال زواجه بالضحية. وقامت بتقنين قانون جديد حدد عقوبة الإغتصاب بالإعدام, إذا كانت الضحية تحت سن الثامنة عشرة, والسجن المؤبد للمُغتصب لمن تخطت الثامنة عشرة. ثم قامت الحكومة مرة أخرى عام 2014 بتجريم التحرش الجنسي .. وبرغم القوانين الصارمة إستمرت الجرائم في تزايد وتفاقمت لتصبح ظاهرة إجتماعية مُخيفة لأي إمرأة تجسُر على الخروج من بيتها..
وتتردد النساء في التقدم ببلاغات للشرطة حال تعرضهن للتحرش أو لإغتصاب .. أحد أهم الأسباب .. في حالة التحرش .. الخوف من ألسنة المجتمع .. ففي مجتمع صنفها شيوخه ومُفتيه ورجاله بداية من السبعينيات بالعهر والتبرج ونادوا ب "وقرن في بيوتكن". وفي محاولات للتبرير للجاني يتفننوا في الربط بينه وبين الضحية. بتساؤلات عقيمة عن سبب خروجها وملبسها وفتنتها. وتتهاون الشرطة لمجموعة الأسباب السابقة التي تجذرت في الذهنية الذكورية في ملاحقة الجاني تُفضل الضحية السكوت وعدم الإبلاغ.
أما في حالة الإغتصاب .. فتختلف الأسباب ولكنها تُجمع على ... الخوف من العار الذي سيلاحقها .. في مجتمع ينظر لها بريبة وتلاحقها نظرات الإزدرداء كأنها السبب في عملية الإغتصاب ..ثم الخوف في حالة رفضها من الزواج بالجاني أن تتعرض لقتل الشرف .. فالرأي الشرعي في الإغتصاب .. الذي يُعتبر كما أسلفت هتك عرض .." من أكبر الكبائر المحرمة لتعلقه بأحد مقاصد الشريعة وهو حفظ العرض وحفظ النسل غير آبهين بحفظ الكرامة للمرأة,,. ولكن المُشرّع يعود ليقول "" ليس كل من إتُهم بالإغتصاب يُقتل ؟؟؟ حتى تقوم البينة التي ليس معها ادنى شك ""وهي أربعة شهود مسلمون عدول .. رأوو عملية الإغتصاب بأعينهم . وأنا بدوري أتساءل كيف لمُغتصبة أن تضع أربع رجال ليشاهدوها وهي تُغتصب ؟؟؟؟؟؟ أيضا كيف لمُغتصبة أن تتقدم بإتهام الجاني .. وهي تعلم أن عدم قدرتها على الإتيان بأربعة شهود مسلمين عدول سيؤدي إلى إتهامها بالزنا ؟؟؟؟ وحتى القذف ؟؟؟؟؟ فمن الإستحالة إثبات الإغتصاب .. وإن لم تستطع الإثبات .. تصبح المرأة مُتهمة بالزنا ..ومُعرضة لعقوبة الزنا والتي تختلف بين إن كانت بكرآ فتُجلد وإن كانت متزوجة فتُرجم ؟؟؟ برغم عدم وجود آية الرجم .. ولكن أصر على وجودها عمر بن الخطاب ؟؟ وقال لقد رجم النبي ورجمنا بعده ؟؟؟ ..ثم التصنيف الشرعي إن كانت أمة أم حرة . ""ينص الإمام مالك فيقول:"" الأمر عندنا في الرجل يغتصب المرأة بكراً كانت أو ثيباً؛ أنها إن كانت حرة فعليه صداق مثلها ؟؟؟ ( أي صداق ؟؟ وهل معنى الصداق التأكيد على إجباره على التزوج منها .. وإجبارها على قبول الصداق ؟؟؟ ) , وإن كانت أمَة: فعليه ما نقص من ثمنها، والعقوبة في ذلك على المغتصب، ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله".
ثم "" يقول الداعية "مصطفى البدري": المغتصب لا يخلو من حالتين؛ الأولى، أن يستعمل السلاح لتهديد المرأة. والثانية أن يكتفي باستعمال القوة البدنية للوصول لغايته. أما الأول فيقام عليه حد الحرابة الوارد في قوله تعالى "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْيُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ". وأما الثاني فيقام عليه حد الزنا باتفاق العلماء (إذا قامت البنية على ذلك) وعند المالكية والشافعية يضاف على الحد مهر المرأة المغتصبة؟؟؟؟ وليس على المرأة شيئٌ أبدًا؛ لا لوم ولا عتاب ولا توبيخ، طالما ظهر منها ما يدل على رفضها ومقاومتها؛ عِلمًا بأنها إذا قُتِلتْ حال ذلك.. تكون بمنزلة الشهداء""؟؟؟؟؟؟
ومن ما سبق وبالرغم من تأكيد الشرع على الإتفاق على انها جريمة تجب إدانتها ومعاقبة الجاني .. ولكن إختلاف التأويلات بين الفقهاء خلق الإلتباس بين الإغتصاب والزنا هو ما يُخيف النساء من التبليغ الفوري حال وقوع الجريمة ..
دور مناهج المؤسسات الدينية في تجذير الإلتباس الديني في ذهنية متخرجيها .. وأكبر مثال على ذلك فتاوي أحد أشهر خريجيها "عبد الله رشدي" الداعية الأزهري الذي قدمه الأزهر كنموذج معاصر للدعوة .. لكي يسحق العلمانيين وأعداء التراث .. رشدي إعتاد على تحقير المرأة .. وإعتبارها جسدا خُلق لمتعة الرجل .. وفتاويه في حالات وقوع تحرش جنسي .. بين مُبرر للجريمة وبين تحريض واضح على فعلها ؟؟؟ في تلاعب لغوي ولفظي لتكريس المنهج الذكوري .. بأن المرأة هي السبب لأن ملابسها كذا وكذا.. ولماذا خرجت من بيتها بينما هي مُعززة مُكرمة ؟؟؟ والدعوة العلنية الصريحة لإنتهاك جسد المرأة في عملية الختان في تحد واضح وعلني للقانون الدولي والمحلي الذي يُجرّم الختان ..وتزويج القاصرات لضمان حمايتهن من الرذيلة ؟؟؟؟؟ وإباحة سبي النساء وإجازة معاشرة السبايا من غير المسلمات ؟؟؟ في الحرب ؟؟؟
وبالرغم من تبرؤ الأزهر من آرائة, إلا أنه لم يُكفره في فتاويه التي تخططت حدود التشدد والتحريض على إنتهاك جسد المرأة .. بما يؤكد بخطورة المناهج الأزهرية , والتشدد الخفي الذي خلق الإلتباس عن المرأة, وعدم قدرة جميع المؤسسات الدينية على التجديد والتطوير و التغيير في الذهنية الذكورية ؟؟؟؟
دعوة وجوه مجتمعية عالمية بإعطاء فرصة أخرى لرجال ثبتت تهمة تحرشهم ؟؟؟ ففي الوقت الذي نبحث فيه عن قدوات للجيل الجديد في مجتمعاتنا العربية .. ونفخر بوصول البعض لمنصات عالمية.. لآ أستطيع أن أتقبل تصريح نجم كرة القدم المصري محمد صلاح بأنه يجب منح لاعب المنتخب المصري عمرو وردة فرصة ثانية .؟؟؟ على ماذا ؟؟ على تحرشه أو على إستعمال شهرته ؟؟ ؟ لقد إحترمت اللاعب محمد صلاح حين صرح قبل سنتنين بسوء وضع المرأة في مجتمعاتنا وضرورة التغيير لحمايتها من كل أشكال العنف ؟؟؟؟ وتأملت بأن يكون قدوة لشباب جيله في التمسك بالمبادىء الأخلاقية .. ولكن ليس من حق صلاح أو أي شخص في مرتبتة طلب إعفاء زميل من العقوبة بإعطائه فرصة أخرى ؟؟ بل المطلوب منهم إما أن ينأوا بأنفسهم أو المطالبة بما يتوافق مع الحقوق العالمية للإنسان في الترويج للقضايا الإنسانية ولقوانين تستند إلى العدالة في المنطقة العربية .. وكم أتمنى ذلك ....