17 تشرين الأول 2019.. 17 تشرين الأول 2020.. سنة مرت على حدث لن يُمحى من ذاكرة اللبنانيين، بل سيدوّنه التاريخ كمحطة مفصلية.

نعم لم تحقّق الثورة أي من الشعارات التي رفعتها؛ لم يَسقط لا الفاسد ولا حكمه، لم تتحقّق العدالة، لم يُحاسب أحد، بل على العكس تشبث الفاسدون أكثر وتحكّموا أكثر واستبّدوا أكثر... كنا نقول إن لبنان على شفير الهاوية، صار يستغيث من قعر الهاوية!

لم تكن ضريبة الـ 6 دولار على الواتساب هي سبب النزول إلى الشارع، بل كانت الشرارة التي أشعلت غضب الناس لينتفضوا على الظلم. لم يُزل الظلم، بل بات أضعافاً مضاعفة!

في هذه السنة عاش اللبنانيون الأسوأ، وتخطت ارتدادات الأحداث قدرتهم على التحمّل.

في هذه السنة، انخفضت قيمة الليرة مقابل الدولار ستة أضعاف عن سعر صرف ظل ثابتاً لسنين، مما انعكس غلاء فاحشاً في المواد الغذائية وأساسيات الحياة اليومية لأي مواطن في بلد ريعي يقوم معظم اقتصاده على الاستيراد.

في هذه السنة، حُرم اللبنانيون من أموالهم وأُهينوا، ولا يزالون، على أبواب المصارف التي هرّبت مليارات الفاسدين المتسلطين وأحكمت قبضتها على فتات من لا سلطة لهم ولا وسيط.

في هذه السنة، عاش اللبنانيون قلق انقطاع الدواء والبنزين والمازوت.. دعم مصرف لبنان المازوت فهربه "التجار" إلى سوريا، استفادوا هم والاقتصاد السوري على حساب المحتاجين!

وكأن كل ذلك لا يكفي، فجّر فساد المسؤولين وإهمالهم بيروت بنيترات الأمونيوم، مخلفاً إزهاق مئتي روح وجرحى ودمار، ومخزون رعب في الوعي واللاوعي!

لم تستطع الثورة أن ترفع الظلم عن الناس، لم تستطع أن تقاصص المسؤولين وتحاسبهم على ثلاثين سنة من الفساد والسرقة على جثة بلد منهك، بل كانت كبش الفداء لمن رغب بأن ينتقم لزعيمه منها.

يقولون: "شفتوا شو عملت الثورة فينا".. لا ليست الثورة التي فعلت بنا ذلك، بل وقاحة السياسيين الذين يستنزفون الناس ووجعهم حتى آخر رمق... ولم تستيقظ ضمائرهم.. ما يحصل هو نتاج تراكمات سنين من الصفقات والتنفيعات والمحاصصة وسرقة المال العام؛ فزعماء هذا البلد أشبه بزعماء المافيا، ولكل زعيم أزلامه، أزلامه الذين يسرقون تحت مظلة حصانته، ويخربون وينفذون من القصاص بسلطته على القضاء، نعم في لبنان حتى من تسببوا بتفجير هزّ بيروت.. لم يحاسبوا!

وهناك أزلام نزلوا إلى الشارع مثل الوحوش، اعتدوا على المدنيين على الملأ، حتى القوى الأمنية لم يوفروها من الاعتداء.. لم يحاسبهم أحد، فالسلطة كانت منشغلة بسَوق الثائرين على الظلم إلى المخافر!

على مدى سنة كُثر تسلقوا الثورة وحاولوا سرقتها، كُثر استغلوها مرة بالتخريب ومرة أخرى بمحاولة العبور على أكتافها إلى السلطة، وكّثر أُحبطوا إما هاجروا أو لزموا منازلهم.

ولكن أكثر من كل هؤلاء آمنوا بالثورة، آمنوا بنبض الشارع المنتفض على الظلم.. وهؤلاء نزلوا إلى الشوراع بقلوبهم قبل أجسادهم.. هتفوا ضد الفساد بأعلى أصواتهم حتى بُحت حناجرهم.. هؤلاء سكّروا الطرقات على سياسيين كانت تُسكّر الطرقات كرمى لعيونهم.. هؤلاء عَروا السياسيين أمام المجتمع الدولي الذي لم يفوّت فرصة لإهانة هذه السلطة ولم يستغلها.. نعم ربما لم ينجح هؤلاء الثوار بقلب الطاولة على نظام نتن متعفن بالفساد ولكنهم أعطوا للثورة رونقها.. أثبتوا أن الثورة الحقيقية كانت ثورة وعي، والوعي هو الذي يصنع الفرق وسيصنع الفرق.