في توقيت دقيق ومناسب للمرحلة الراهنة بالضبط، جاء نشر صورة الفنان محمد رمضان، مع المطرب الإسرائيلي عومير آدام، لتؤكد الحقيقة التي يرفض البعض تصديقها، وهي أن التطبيع مع إسرائيل مرفوض شعبيا، ولا يمكن القبول به، حتى وإن ارتضته الأنظمة والحكومات على نفسها، تحت أسباب ومسميات وعلل عدة، وإن كان أهمها الضغوط، التي تمارس عليها، والتهديدات التي يتم تخويفها بها.

جمعتني جلسة ودية منذ أيام قلائل مع عدد من الرموز الفلسطينية في مصر، وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور أيمن الرقب، والدكتور ماهر صافي، والدكتور سليم الفليت، وكان محور الحديث عن مستقبل القضية الفلسطينية في ظل الهرولة العربية نحو التطبيع مع إسرائيل، وقد رأيت في أعينهم وسمعت من أفواههم ما تكن صدورهم وأفئدتهم، وهو أنهم ما زالوا يراهنون على الشعوب العربية، وأكدوا أن الشعوب العربية في مقدمتها الشعب المصري مازالت ترى "عين اليقين" إسرائيل هي العدو. وقالوا إنهم يشاهدون ذلك في شوارع القاهرة ويسمعونه من كافة فئات المصريين، وهم على يقين أيضًا بأن الشعوب العربية قاطبة مازالت على العهد وترفض التطبيع، حتى وإن جاء لها بالعسل واللبن.

وها هي الشعوب الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط، تؤكد أنها على قدر الثقة وترفض لقاء رمضان والمطرب الإسرائيلي، وتعلنها مدوية أنها مازالت ترفع شعار "اللاءات الثلاث"، الذي تم إطلاقه في العاصمة السودانية الخرطوم في 29 أغسطس 1967 في أعقاب نكسة ٥ يونيو 1967. وهي القمة العربية التي عرفت باسم "قمة اللاءات الثلاثة". وأعلنت الدول العربية جميعها وقتها، باستثناء سوريا التي لم تحضر الاجتماع، إصرارها على التمسك بالثوابت العربية تجاه إسرائيل، وهي اللاءات الثلاثة: "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع إسرائيل قبل أن يعود الحق لأصحابه".

حسنًا فعل محمد رمضان، عندما نشر الصورة التي جاءت بمثابة اختبار حقيقي للإرادة العربية إزاء هرولة بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع إسرائيل، رغم استمرارها في احتلال واغتصاب الأراضي العربية، ورغم صلفها وغرورها إزاء المطالبات بإعادة الحقوق الفلسطينية لأصحابها.

وهذا هو الإعلامي أحمد موسى، أحد من أكثر الإعلاميين المصريين قربًا من السلطة، يعتبر الصورة أو بالأحرى موقف محمد رمضان "مصيبة"، وقال: "لازم محمد رمضان يقول إيه الحكاية ويكشف حقيقة المصيبة اللي عملها".
وأضاف موسى خلال تقديم برنامج "على مسئوليتي"، بقناة "صدى البلد": "لازم محمد رمضان يقول كان يعلم بالصورة أم لا؟، وأن هذا الشخص مطرب إسرائيلي ولا لأ؟، وإن كان لا يعلم عليه أن يطلعنا ماذا فعل بعدما علم؟".
أحمد موسى باعتباره اعلاميًا يقرأ المشهد جيدًا، ويدرك أنه رغم وجود معاهدة سلامة بين مصر وإسرائيل، إلا أن التقارب أو التطبيع الشعبي، لن تناله إسرائيل مطلقًا، ولذلك قال: "لو الصورة حقيقية هيكون محمد رمضان في مشكلة معانا كلنا.. فيه معاهدة من 1979 لكن لا يوجد تقارب معهم".

وأنا أقول لأحمد موسى، هون على نفسك. ليست مصيبة، إلا على رمضان نفسه. فـ"رب ضارة نافعة"، وهذا المثل العربي القديم أفضل ما يقال عن الصورة الصادمة، فهي ضارة بصاحبها محمد رمضان، الذي حصل على أمواله المليارية من جيوب الشعوب العربية البسيطة، وبدلًا من أن يكون في صف الجمهور الذي رفعه في السماء ومنحه المال والشهرة، راح يتحدى مشاعره وثوابته القومية والإسلامية، ويتعامل بطريقة الأنظمة الحاكمة التي تخشى على عروشها، رغم أن عرشه مبني على الحب المزروع في قلوب البسطاء، وهو عرش ليس في حاجة للتودد إلى تل أبيب ليصل إلى قلب واشنطن، ليكون في حماية أمريكا.

هناك قاعدة علمية تقول " إذا قرصتك نملة، لا تقتلها، بل اشكرها، لأن قرصة النملة تقوم بتنشيط الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ"، ومن هذا المنطق، لا تلوموا محمد رمضان، بل اشكروه، لأنه أهدانا هذا الاختبار الذي جاء في توقيته الصحيح، ليقوم بتنشيط ذاكرة الجماهير، وتثبت للحكومات وإسرائيل وأمريكا، لا سيما مع قدوم رئيس جديد للبيت الأبيض هو جو بايدن، أن الشعوب العربية مازالت على ولائها لقضيتها الأم، مازالت وفية للأشقاء الفلسطينيين، ومازالت ترفع شعار "اللاءات الثلاثة" ولن تتخلى عنها إلا بعد عودة الحقوق لأصحابها.

قد يكون محمد رمضان تم التغرير به أو تعرض للخداع، وقد يكون تعرض للإغراء بالمال أو النفوذ أو أشياء أخرى نفيسة، وربما لدى الموساد ما يمسكه عليه من أخطاء، وتعرض للتهديد بها، حتى يتم التقاط هذه الصورة له مع المطرب الإسرائيلي في دبي مع الإعلامي الإمارات المزروعي، لكن الشعوب العربية مازالت تتمتع باليقظة والفطنة، ولن يستطيع أحد خداعها، أو إغراءها أو تهديدها.

وإن كنت أرجح أن محمد رمضان التقط هذه الصورة بكامل إرادته وبكامل وعيه، وهو يعرف جيدًا إلى جوار من يقف، لاسيما أن الصورة تظهر أن هناك حميمية في اللقاء، وليست مجرد صورة عابرة مع معجب عادي، فهو يضع يده على كتف المطرب الإسرائيلي، بل يطوقه بذراعيه ويشير بإصبعه السبابة إلى الإعلامي الإماراتي.

ما يؤكد هذه الفرضية، أن رمضان نشر الصورة عبر حسابه على موقع انستجرام مصحوبة بتعليق يؤكد أنه يعرف هوية المطرب الإسرائيلي، وكتب يقول: "لا يهمني اسمك ولا لونك ولا ميلادك يهمني الإنسان ولو مالوش عنوان"، وهو مقطع من أغنية شهيرة للفنان محمد منير. كما نشر الإعلامي الإماراتي حمد المزروعي، الصورة نفسها عبر حسابه بموقع تويتر، قائلا: "أشهر فنان في مصر مع أشهر فنان في إسرائيل دبي تجمعنا".

كما أن إسرائيل احتفت رسميًا بالصورة أو اللقاء ونشرتها صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "الفن دوما يجمعنا.. النجم المصري محمد رمضان مع المطرب الإسرائيلي عومير آدام في دبي".

"ثقة في الله نجاح"، هكذا أرادت إسرائيل استثمار شعبية محمد رمضان في الترويج للتطبيع السياسي على المستوى الشعبي، لكنها فوجئت كما صدم رمضان نفسه بردود الفعل الساخطة، ما جعل الفنان المصري يتراجع سريعًا، ويحذف الصورة والتعليق، ويخرج في مقطع صوتي لينفي معرفته بهوية المطرب الإسرائيلي، وقال في تصريحات له: "أنا لا أعلم أو أسال على أي إنسان يتصور معايا أو أتصور معاه، ومش بسأله على دينه أو جنسيته، وربنا خلقنا واحد.. ثقة في الله نجاح".

التطبيع الشعبي هو الجائزة الكبرى التي تحلم بها وتسعى إليها إسرائيل، ولكنها لن تناله وسأقولها للإسرائيليين والأمريكيين "بالفم المليان" كما يقولها المصريون بالعامية: "لما تشوفوا حلمة ودانكم".