أسباب كثيرة تحول دون وصول حكومة اقليم كردستان العراق مع الحكومة الاتحادية الى اتفاق مبين بخصوص موازنة السنة المالية لسنة 2021، ولاشك فان اسرار خاصة تقف وراء عدم الوصول الى توافق لحل الخلافات القائمة بين الطرفين، وهنالك تأويلات عديدة لتفسير عدم ابرام ميثاق استارتيجي بين بغداد واربيل بخصوص النفط المستخرج في الاقليم وتسويقها حسب المواد الواردة في الدستور الدائم، وما يحصل من مفاوضات بين وفود الاقليم مع حكومة بغداد ولمرات عديدة يبدو انها مجرد لعبة سياسية خبيثة النوايا، وهي مطرزة بالاكاذيب والاباطيل، وقد مل منها الاعلام والمراقبين السياسين والمواطنين الكرام بسبب اتسامها بالتحايل وخداع العراقيين في مشاهد ومسرحيات تفاوضية مفبركة.

ولكي نكون على بينة من ما يجري، ونكون على دراية لتقيم وتقديم قراءة منطقية وعقلانية لما يسير في بغداد من مباحثات بين اربيل وبغداد بخصوص النفط والموازنة والمسائل الخلافية القائمة بين الطرفين، فان الاطار الحقيقي للمفاوضات يبدو انه لا يجري محتواه على اساس النوايا الصادقة للوصول الى اتفاقية، وانما يسير اصرارا والحاحا فقط على تقديم الكذب المزخرف والتحايل المنافق لخداع العراقيين والكرد معا، وذلك كسبا الوقت واستهزاءا بمشاعر ومعاناة والام مواطني الاقليم، ويبدو ان الاثنان على اتفاق تام ضمني غير معلن لادامة المفاوضات دون الوصول الى اتفاقية تخدم كل الاطراف وتضمن المصالح الوطنية للجميع.

وبسبب وجود اوراق مصالح خفية تقف وراء عدم وصول الطرفين اربيل وبغداد الى اتفاق، فان المفاوضات قد تبقى متواصلة بلا نتيجة لحين فترة، وذلك كسبا للوقت وللمطاولة السياسية لصالح الطرفين، او ستتوقف بسببب حراجة الموقف على مسعود برزاني، او قد يصل الطرفين الى اتفاق للحفاظ على ماء الوجه نتيجة ضغوطات وتدخلات امريكية وايرانية في اللحظات الاخيرة، او قد تفشل نهائيا وتتوقف المباحثات لرغبة الحزب الحاكم في فشل مهمة الوفد الكردي لانه برئاسة ابن المرحوم جلال طالباني لرمي الفشل على حزب الاتحاد الوطني، وللحقيقة فان معطيات الاوراق السرية التي تقف وراء مطاولة المفاوضات دون تحقيق نتائج تعود الى مايلي:

(1): رهان قيادات الحزب الحاكم بالاقليم برئاسة مسعود برزاني على احتمال رفع اسعار النفط الخام من جديد في الاسواق العالمية الى المستويات العالية التي وصلت اليها في سنوات ما قبل 2014، لتحسين الموقف المالي للحكومة والسلطة الحاكمة، وهذا الرهان مازال مستمرا منذ تلك السنة في مخيلة القيادة الكردية الفاسدة، واللعب عليه مازال متواصلا وخاصة من قبل نيجيرفان برزاني، والدليل على وجود هذا الرهان هو ما كشف عنه وزير الموارد الطبيعية السابق بصورة غير مباشرة في لقاء تلفزيوني، وذلك عندما تكلم بهذا المعنى "ان سعر النفط حتى لو وصل الى 100 مئة دولار فان الحكومة لا تقدر على حل مشاكلها وازماتها المالية"، وبالحقيقة فان كشف هذه المعلومة الحساسة كان غريبا في حينه.

(2): ارتباط ملف نفط الاقليم بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان ودوائره الخاصة ومسعود برزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وما اعترف به رئيس الاقليم الحالي بوجود اتفاقية بين الطرفين لمدة خمسين سنة، يعتبر جزءا صغيرا من الاتفاقيات المخفية للارتباط القائم بين الرئيسين اردوغان وبرزاني، ويبدو ان هذا الارتباط الاقليمي لا يسمح باتخاذ القرار الوطني الصائب من قبل حكومة الاقليم تجاه العاصمة الاتحادية بغداد بشأن تسليم قسم من النفط المنتج او تسليم ملف النفط كاملا الى بغداد.

(3): توافق مصالح الفاسدين في حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية في استقطاع ايرادات نفط الاقليم من حصة الموازنة السنوية حسب منافع مشتركة بينهما في السنوات السابقة، حيث تبقى ايرادات تسويق اكثر من 450 الف برميل باليوم في جيب السلطة الحاكمة باربيل وجيب االشركات لنهب اكثر من سبعين بالمئة من الايرادات النفطية، ويبدو ان الاطراف الحكومية في بغداد المعنية بهذا الامر مستفيدة من هذا التعامل المتسم بالفساد الرهيب، وقد يكون ذلك من خلال تخصيص حصص معينة لتلك الاطراف من نفط الاقليم.
باختصار ما ورد اعلاه يعتبر من اهم الاسباب الرئيسية التي تقف وراء عدم وصول اربيل وبغداد الى اتفاقية، وذلك بسبب الدوافع والنوايا الانتفاعية التي تخدم المعنيين بهذا الامر، وما ادامة المفاوضات دون الوصول الى نتائج الا دليل دامغ على النوايا الفاسدة التي تقطن في عقول وصدور المفاوضين ورؤسائهم في بغداد واقليم كردستان.

وقبل أيام ارسلنا الرسالة التالية الى السيد مسعود برزاني للتنديد بالارسال المتكرر للوفد الكردي الى بغداد الذي تحول الى زيارات نزهة لقضاء ليال حمراء بحجة اجراء مفاوضات دون نتيجة، وفيما يلي نصها:
الى حضرة الرئيس مسعود برزاني المحترم، يا حضرة الرئيس تحية احترام واما بعد، والله عيب كبير، وخزي وعار، ارسال الوفود تلو الاخرى الى بغداد، كفى الوفد الكردي كذبا وخداعا على شعبنا الكردي، كفى الوفد الكردي وعودا كثبرة بتسليم النفط مع بداية كل سنة جديدة، كفى الوفد الكردي لعبا على الحبال مع بغداد، كفى الوفد الكردي جر الحبل بحجج واهية، كفى الوفد الكردي الكذب والكذب والكذب على شعبنا الكردي وعلى العراقيين، كفى الوفد الكردي ليالي حمراء في بغداد في كل زيارة واقامة فيها، كفى الوفد الكردي ليالي الف ليلة وليلة في دهاليز القصور الحمراء ببغداد، كفى الوفد الكردي استهزاءا بالقيم والشيم الكردية، كفى الوفد الكردي مهزلة بالاخلاقيات الكردية، يا حضرة الرئيس قلته لكم من شهور، ما دام لا تسلمون النفط كفى كذبا وحيلا وخداعا على الكرد وعلى العراقيين، كفى كفى كفى ارسال الوفود لاحراج شعبنا الكردي، ان كان وفدكم يرضى بالمذلة في بغداد، فلا ترمو بهذه المذلة على الكرد، حاشا حاشا حاشا اذلال الكرد، حسبنا الله من حكومتكم لجورها وفسادها ونهبها وسلبها واذلالها للكرد ونعم الوكيل، والله ولي شعبنا المظلوم، والله نصير شعبنا المظلوم، ولكم فائق الاحترام.

لهذا لا نتوقع تغييرا في مشهد المفاوضات ببغداد، وما يجري من لقاءات مجرد مسرحية مفبركة ولعبة خبيثة متسمة بالشيطنة، خيوطها لا بيد برزاني ولا بيد الكاظمي، والمقصود بها مجرد كسب الوقت واطلاق الاكاذيب لتخدير العراقيين والكرد، وذلك لتمضية فسادهم الكبير الجاري منذ عقود ولتمرير لعبة ابتلاع رواتب الموظفين المنهوبة بالاغتصاب من قبل السلطة الحاكمة بالاقليم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(*) كاتب سحفي