من المفترض أن يكون القرن الحالي (الواحد والعشرون) هو قرن إنتشار الحريات على نطاق واسع حول العالم، ويكون لجميع الناس الحق في التمتع بالحريات السبع وهي: التحرر من التمييز، والتحرر من الفاقة، وحرية التنمية الشخصية، والتحرر من التهديدات للأمن الشخصي، وحرية المشاركة، والتحرر من الظلم، وحرية العمل المنتج، حيث تمثل هذه الحريات العمود الفقري لحقوق الإنسان، وكل واحدة من هذه الحريات تتطلب رؤية جديدة بجهد جماعي من جانب دول العالم.
ولقد حدد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذه الرؤية منذ حوالي ستون عاما، ولدى العالم اليوم ما يكفي من وعي مجتمعي وشخصي وموارد اقتصادية ومؤسسات اجتماعية تمكنه من تحقيق هذا الهدف على نطاق عالمي، والمؤشرات الدولية الحالية تشير إلى الانتقال من حالة الالتزام الأخلاقي والمعنوي الى واقع الإنجاز العملي والتطبيق الفعلي. التقدم في مجال حقوق الإنسان لن يكون سهلا ولن يكون مباشرا، فحقوق الإنسان قد تكون عامة للجميع ولكنها غير مقبولة من الجميع، والذين يعارضون حقوق الإنسان يفعلون ذلك لخليط من الأسباب، وكثيرا ما يخفون إنكارهم الحقوق بواسطة مزاعم مشبوهة تتعلق بالضرورة السياسية والنسبية الثقافية، أو يجعلون من افتقاد الموارد ذريعة لعدم إحقاقها.
الواقع أن حقوق الإنسان تعتبرها جماعات كثيرة بمثابة تهديد لمصالحها، من بينهم كثيرون ممن يشغلون مواقع في السلطة أو من أصحاب النفوذ، فالحقوق تتحدى المصالح المترسخة لهذه الجماعات. وعليه، يكون الالتزام الفردي والنضال المجتمعي هما العاملان الحاسمان لتقرير هذه الحقوق في الحاضر والمستقبل مثلما كان الأمر في الماضي. ولكن يبقى للحكومات ولكثير من العناصر الفاعلة الأخرى أدوار حيوية أيضا، فعلى الحكومات مسؤولية خاصة عن القيادة، وكذلك المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص وأصحاب المهن الحرة، وعناصر أخرى كثيرة في المجتمع المدني لديها دور مهم عليها أن تلعبه وهو إخضاع الحكومات للمسائلة والمحاسبة عن تطبيق حقوق الإنسان.
إن إدراج مبادئ حقوق الإنسان في دساتير الدول يزود الناس بالوسيلة القانونية اللازمة لاتخاذ الإجراءات الدستورية والقانونية عندما تنتهك حقوقهم، وينبغي عدم التهوين من شأن القوة التشريعية لوجود حكم قانوني قوي ضد انتهاكات حقوق الإنسان. كما أن اللجوء إلى القضاء للصالح العام، حيث غالبا ما ينظر في هذا النوع من التقاضي فرع خاص من المحاكم المختصة بمعالجة الإجراءات الإدارية والتمييزية والتعسفية التي تنتهك الحقوق. وقد استخدم التقاضي للصالح العام في المحاكم العليا في دول كثيرة من العالم لحماية الحقوق العامة للناس من الانتهاك.
ومع وجود إجحافات وتحيزات متغلغلة الجذور ضد فئات من الناس في كثير من المجتمعات، اصبح من الضروري الترويج لمبادئ حقوق الإنسان في مواد التدريس وفي القيم الإنسانية والمبادئ الاجتماعية. وهناك ثلاث طرق للترويج والتأثير:
أولا- تثقيف الناس بموضوع حقوق الإنسان: يدعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الى تدريس مادة "حقوق الإنسان" في كل مدرسة وفي وقت مبكر باعتبارها حقوقا عامة يملكها الجميع، ومن خلال التعليم المبكر يمكن القضاء على المزاعم المتعلقة بالتفاوت الثقافي والفكري والعلمي بين فئات المجتمع في كل بلد.
ثانيا- توعية المسؤولين بقضايا حقوق الإنسان: إن توعية واضعي السياسات وأفراد الشرطة والجيش وغيرهم من فئات المجتمع بشأن حقوق الإنسان أمر ضروري لنشر ثقافة حقوق الإنسان بين هذه الفئات ذات العلاقة المباشرة والتعامل مع أفراد الشعب. وكلما تعززت هذه الثقافة انعكست إيجابا على طريقة التعامل وحل المشاكل التي تطرأ في المجتمع من وقت الى آخر.
ثالثا- تعبئة الرأي العام من خلال وسائل الإعلام: يمكن لوسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة ان تعبئ الرأي العام عن طريق نشر الوعي بالسياسات المتعلقة بحقوق الإنسان وإبراز الانتهاكات. وفي بلدان كثيرة تمثل وسائل الإعلام قوة رئيسية للإبلاغ عن هذه الانتهاكات والمطالبة بمعاقبة المسؤولين عنها.
"شمول حقوق الإنسان للجميع هو ببساطة أن حقوق الإنسان يجب أن تكون واحدة في كل مكان ولكل فرد، فكل فرد يحق له بحكم إنسانيته أن تكون له حقوق وحريات ثابتة. وهذه الحقوق تكفل كرامة الإنسان وقدره وتضمن الرفاه الإنساني". (ماري روبنسون – مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من 1997م إلى 2002م).
- آخر تحديث :
التعليقات