يطالب المرشد علي خامنئي المتظاهرين في الأحواز بعدم إعطاء أعادء إيران "ذريعة"، لأن "العدو يريد الاستفادة من كل شيء صغير ضد البلاد والثورة الإسلامية وضد المصالح العامة للناس"، ويعترف بتعطيشهم قائلا، "لا نستطيع فعلياً أن نلوم الناس وينبغي حل مشكلتهم". طبعا مع موافقته على استخدام أقسى أنواع البطش والقتل والاعتقال والإخفاء ضد المتظاهرين الذين اعتبرهم أعوانه العسكريون والمدنيون "مثيري شغب" و "انتهازيين". وتؤكد التقارير الصحفية العالمية سقوط شهاداء واعتقالات بالجملة ونقل العشرات من المتظاهرين إلى أماكن مجهولة.
وقد أدانت منظمات حقوقية دولية سلطات النظام باعتماد "القوة المفرطة" في التعامل مع المتظاهرين السلميين.
وقالت منظمة العفو الدولية إن قوات الأمن عمدت "بشكل غير قانوني إلى " استخدام "الذخيرة الحية وخرطوش الصيد" في التعامل "مع تظاهرات سلمية في غالبيتها".
من ناحيتها قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن السلطات استخدمت على ما يبدو "القوة المفرطة ضد المتظاهرين"، داعية الحكومة الإيرانية الى إجراء "تحقيق شفاف" في الوفيات المفترضة.
وتعليقا على هذه الأنباء لم تفعل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن غير الكلام.
فقد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جالينا بورتر إن "للشعب الإيراني الحق في التعبير".
إن ما قامت به أجهزة القمع الإيرانية ضد المتظاهرين، رغم اعتراف المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية حسن روحاني بمشروعية مطالبهم، دليل آخر جديد على طبيعة النظام الإيراني التسلطية التي لا تعترف بمعارضة، حتى لو كانت سلمية وذات مطالب معيشية حقيقية مشروعة.
فعداؤه معروف وثابتٌ وموثق، منذ قيامه قبل أربعين عاما، لجميع القوميات والطوائف والمذاهب التي تَشكلَ منها الكيانُ الإيراني القائم بحدوده الحالية التي فرضها الحلفاء 1943، في أعقاب الحرب العالمية الثانية بما سمي وقتها بـ (إعلان طهران) الذي منح الاستقلال للدولة الإيرانية ورسم حدودها.
والذي ينبغي أن نُذكر به هنا هو أن القوات السوفيتية التي كانت متمركزة في شمال غرب إيران لم تعترف بإعلان طهران، ورفضت الإنسحاب من الأراضي التي تحتلها، بل إنها دعمت الأقليات القومية وشجعتها على إقامة دويلات في المناطق الشمالية من أذربيجان وكردستان. ولكن هذه الدويلات سرعان ما انهارت وأجبرت على الانضمام إلى الدولة الإيرانية الجديدة، فور انسحاب القوات السوفيتية عام 1946 مقابل وعود بامتيازات نفطية.
وهذا ما جعل الدولة الإيرانية أكثر دول منطقة الشرق الأوسط عرضة للتفكك السريع، خصوصا في ظل النظام القمعي الحالي.
فهي تتألف من أكثر من عشر وحدات عرقية، منها خمس رئيسية، هي: الفرس، الاذريون، البلوش، التركمان، والعرب. وبحكم القهر الذي مارسه الحكام الفرس، عبر السنين، ضد هذه الأقليات أصبحت كل واحدة منها متقوقعة على نفسها، وتزايد تمسكها بعزلتها القومية أو المذهبية، وأصبحت تترقب يوم الخلاص، ولم يعد ولاؤها للدولة الإيرانية.
يضاف إلى ذلك أن كل مكون من هذه المكونات متواصلٌ، جغرافيا، مع أشقائه في الدول المجاورة، وهو ما يعزز شعوره بالقوة والثبات، ويعمق تطلعه للاستقلال، كما يسهل على التنظيمات المسلحة السرية التي تنشأ داخل هذه الأقليات حصولها على السلاح والعتاد والتمويل. وهو ما يفسر عجز النظام عن وقف الهجمات التي تشنها المجموعات المسلحة السرية على جنوده وشرطته وقواعده العسكرية ومكاتب حرسه الثوري، على الدوام.
فالأذريون متواصلون مع أشقائهم في دولة أذربيجان المحاذية لايران من الشمال، والكورد ملاصقون لأشقائهم الكورد العراقيين والأتراك، والبلوش في تواصل جغرافي مع بلوش أفغانستان وباكستان، كما أن عرب الأحواز في جنوب غرب ايران لا يعتبرون أنفسهم إيرانيين، بل عراقيين لا يمكن فصلهم عن جذورهم في العراق.
ومن الطبيعي أن تتواصل هذا المجموعات فيما بينها، وقد تتوحد في أقرب فرصة يتبين لها فيها ضعف النظام، سواء بفعل مشاكله الداخلية أو بالضغط الخارجي والعزلة الدولية المفروضة عليه.
ومع انشغال النظام بحروبه المنهِكة في اليمن وسوريا والعراق، والانتفاضات الجماهيرية المتصاعدة ضده في العراق ولبنان وسوريا، وتعثر نظرية " تصدير الثورة" بعد أن كلفت الحكومة والشعب الإيراني الكثير، تتوقع المعارضة الإيرانية أن يؤدي الصراع الدائر، حاليا، بين أجنحة الحكم المختلفة بوجود المرشد علي خامنئي، وقد تتحول إلى اقتتال داخلي بعد غيابه، إلى إضعاف قبضة النظام الأمنية، وهو الوضع الذي تنتظره المعارضة والاقليات.
والملاحظ أن دول الغرب بقيادة أمريكا لم تفعل شيئا سوى الكلام العام المكرر الممل عن "حق الشعوب في التجمع بشكل سلمي والتعبير عن رأيهم" وفق تصريح المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، وهو موقف لا يتخدذه سوى المتفرج على انتفاضة الأحوازيين الجديدة وهي تتعرض لأبشع حملات القمع والانتقام.
فالواضح والملموس هو أن أمريكا، منذ قيام النظام الذي تشكو من دمويته وحماقاته وتعدياته وجرائمه عام 1979، لم تدعم معارضة هذا النظام، لأنها لا تريد ولا تتمنى أن تتفكك الدولة الأيرانية، لأسباب ودوافع عديدة.
ويؤكد كتاب وسياسيون أوربيون وأمريكيون عديدون تمسك إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وإصرارها على العودة إلى الاتفاق النووي، والتعجيل برفع العقوبات الدولية لإطالة عمر النظام الإيراني في السلطة، رغم علمها بأن عدم دعم المعارضة والأقليات وتمكينها من إسقاط النظام يعني بقاء إيران الحالية الداعمة الأولى للإرهاب، حسب توصيف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ولكن أكثر اعتداءً على حقوق الإنسان، وأشد تنكيلا بالمكونات العرقية والدينية والمذهبية الإيرانية الأخرى، وأكبر خطرا على أمن المنطقة والعالم.
ولكن سلوك النظام الحالي الممعن في العناد والعنجهية والعدوان سيؤدي في النهاية إلى تفكك الدولة الإيرانية على يد شعوبها المقموعة، شاء الرئيس جو بايدن أم لم يشأ. فلكل أجلٍ كتاب.