منذ وصول الرؤساء إلى الحكم، والجمهوريات العربية تعاني من أزمة تداول السلطة سلمياً. فالرئيس أما يُطرد من البلاد أو يُحاكم أو يُعدم، وفي حالات قليلة ينتقل إلى رحمة الله، تاركاً البلاد لأبنه أو لنائبه.
وإذا كان وصول الابن مقبولاً ومحموداً، فإن وصول النائب قلق ما بعده قلق. ولهذا، تعلّمت الجمهوريات العربية الدرس وبسرعة، فحاليا قلما يعين الرئيس نائبا له وفي حال وجود نائب تبدأ محاولات التخلص منه سواء بإلغاء منصبه أو تلفيق التهم له أو إعلان حالة الطوارئ مع حصر كل السلطات بيد الرئيس. على الأقل الملك كان يكلف رئيس الوزراء المنتخب بإدارة الدولة وتعيين الحكومة، لكن الرئيس يريد الجمل بما حمل.
كان يمكن لأي مراقب محايد أن يفهم قلق الرئيس التونسي "قيس سعيّد" على مجرى الأحداث في تونس فمن ارتفاع عدد الإصابات في يوم واحد إلى أكثر من تسعة ألاف إصابة مما أدى إلى انهيار النظام الصحي، ثم الركود الاقتصادي مع ارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى أكثر من سبعة عشر في المئة. لكن اختلاف الرئيس مع كل من يتولى منصب رئيس الوزراء سببه أن رئيس الوزراء شريك في الحكم تماما كما كان النائب شريكا في الحكم، ولهذا لابد من التخلص منه وحصر كل السلطات بيد الرئيس، بما فيها التشريعية والقضائية. فلم يكتفِ الرئيس بإقالة الحكومة ورئيسها، لكنه حلّ مجلس النواب ورفع الحصانة عن النواب ونصّب نفسه المدعي العام. باختصار "أنا الدولة والدولة أنا".
تُرى لو أن شريكين تجارين يتقاسمان إدارة شركة فهل يقبل أحدهما أن يقوم الآخر بتحديد أسعار السلع ووقت العمل وكيفية تقاسم الأرباح ومن يعمل في الشركة وحصة كل شريك؟ بالتأكيد لا. الشراكة تعني تقاسم الأعباء، والأزمات تعني تعاضد كل الشركاء لتجاوز الأزمة.
كان يمكن تفهم موقف الرئيس التونسي لو أنه أبقى على مجلس النواب ولم يتدخل في عمل القضاء. فالحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن كل السلطات اجتمعت بيد الرئيس بين ليلة وضحاها. فما هو تعريف الدكتاتورية إذنا؟ أليس أن تجتمع كل السلطات بيد شخص واحد؟ هل يمكن لشخص -مهما كان- معارضة الرئيس مثلاً أو الاختلاف معه بالرأي؟ هل تستطيع هيئة تقديم تفسير مختلف للمادة ثمانين من الدستور التي يستند إليها الرئيس؟ لا يبدو ذلك ممكناً. وأخيراً الدستورية لا تعني نفي الدكتاتورية ولعل الرئيس زين العابدين كان في وقته يتحدث باسم الديمقراطية والدستورية أيضا.
مأزِق الجمهوريات يكمن في عدم قدرتها على الاستمرار فالطريق إلى الأمام محفوف بالمخاطر. يبدو أن الجمهوريات تقتل أبناءها تماما كالثورات التي جاءت بها.
وزيرة سابقة أستاذه زائرة وباحثة أكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية
التعليقات