لو اجتمع الخلق ورسموا خط سير حياتهم كما يحبون لما رسموا أفضل مما هو مقرر ومكتوب من لدن علام الغيوب.
قد تبدو بعض الأحداث قاسية بما فيها من معاناة ونهايات، لكن الأقسى منها ما قد نختاره نحن دون علمٍ أو حكمة حتى ولو ظننا لوهلةٍ أنّ الخير فيه!
إرادة الله كلها حكمة ورحمة، وإرادة البشر مصالح وقتية لا تستشرف المستقبل، ولا ترى أبعد من أرنبة أنفها، ولا تراعي مصالح الآخرين. ولا المصالح العامة ولا درء المفاسد فيما لو بدا الامر فيه الصلاح لفردٍ أو مجموعة إذ أن درء المفاسد شرعًا وعقلًا ونقلًا وعرفًا مقدم على جلب المصالح.
خلق الله الإنسان في هذه الحياة لغاية اختارها بعناية،وسخّر الكون كله لها،واستخلف الإنسان في الأرض لأجلها،وهيأ له الأسباب التي تعينه على أدائها،وأمدّه بما يعينه؛ولأنه عزّ وجلّ خلق كل شيء بحكمة ولحكمة فقد خلق الحياة والموت حتماً لكل مخلوق في اتزان عجيب يجري عليه الكون بكل مكوناته.
ليلٌ ونهار، شمسٌ وقمر، بحرٌ ويابسة، ذكرٌ وأنثى، أبيض وأسود، حياةٌ وموت، ثنائيات تمثل الحياة الدنيا وزهرتها، ونحن نعيش وفْق هذا القانون الإلهي الدّقيق لا نملكُ أن نحيد عنه قيد أنملة.
الإنسان هو المخلوق العاقل الذي سخر الله له كل شيء ليستخلفه في الأرض لإعمارها مثله مثل بقية المخلوقات، ولأن الإنسان هو المخلوق العاقل فهو يعيش مع الميلاد والموت كحالةٍ استثنائية في حياته،وحدثٍ غريب،فهو يعيش في الحياة على أملٍ طويلٍ بالبقاء،وتلك غاية بثها الله فيه لإعمار الأرض.
فلسفة الموت من أسس الحياة،ومن أسس استمرار الإنسان على الأرض.
ماذا لو لم يكن هنالك موتٌ على المخلوقات؟!
كيف سيكون حال الكوكب وهو يضيق بمليارات المليارات من المخلوقات؟
ربما يكون الجحيم أهون من الحياة حينها.
لأننا مسلمون مؤمنون بحكمة الله وقضائه ندرك أن الموت بداية حيوات خالدة أكثر راحةً وهناءً،وليس الموت مجرد نهاية
نعم تعترينا مشاعر إنسانية بفقد الأحبة،وتصبح الحياة أكثر قسوة،وترق الأفئدة لدواعي النهايات،وحين نفقد عزيزًا تسودُّ الحياة في أعيننا وتنطفئ، وتصبح الغصة أكثر مرارةً وألمًا.
نعيش حياتنا مع ذكرياتٍ هي كل شيءٍ نملكه من أحبتنا، أصواتهم وضحكاتهم وكل حركاتهم وسكناتهم
هي كل ما نملكه منهم
نحملهم في دواخلنا أينما رحلنا،ندثرهم بدعائنا،ونهمس لهم في سجودنا،وليست هذه النهاية
هم فقط سبقونا بعض الوقت للحياة الخالدة،هناك حيث الحياة الأبدية،في جنانٍ لا يشقى فيها مؤمن.
لقد منّ الله علينا في الحياة الدنيا وفضلنا على كثيرٍ من خلقه تفضيلًا بالإسلام، واصطفى قلوبنا بالإيمان،في حين هناك ملياراتٌ من البشر لا يؤمنون بالواحد القهار،ولا يؤمنون باليوم الآخر،ولا بالجنة والنار.
ربّما كلامي هذا لايُعجب البعض ولكنه والله قناعتي وإيماني ويقيني به جعلني أكتبه..
أظنُّ جازمًا وبيقينٍ كامل أن من لايملك هذا اليقين هم حقًا من يجب أن يشعروا بحجم الخسارة والضلال المبين، فالموت لديهم نهاية أبدية، والحياة هي ما عاشوه فقط.
أيُّ قلوبٍ تستطيع التأقلم مع هذا الاعتقاد الكئيب؟ اعتقاد واهم ومضلّل يفترض أن كل شيء ينتهي بمجرد انطفاءة الموت!
ما أسعد المؤمنين بالله واليوم الآخر.. يحيون حياة كريمة، ويختتمون حياتهم الدنيا على أمل لقاءٍ حتمي يجمعهم من جديد مع خالِقهم عز وجل في عوالم أنقى وأرقى.
رحمة الله واسعة لا يحدها شيء، وحين يقرأ المؤمن القرآن يجد السكينة قد ملأت قلبه بخطابٍ إلهيٍ عظيم حين يقول عز وجل: {ورحمتي وسِعت كل شيء، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون}.
نعم هذا هو وعد الله لنا، هذا هو عهدنا معه، وهذه هي شهادتنا التي سنفد بها على الله.
حين يرحل عزيزٌ نعلم رجاء ماعند الله أنه في ضيافة الله وفي رياضٍ تحفه ملائكة الرحمة، ويستبشر بما يرى من نعيم الله له.
نعلم بحسن ظنّنا بخالقنا أنه مجزيّ بعمله الخيري، وأن رحمة الله أكبر من تقصيره، إذ من منا يخلو من التقصير؟!
نسأل الله العفو والعافية والرحمة والغفران والتجاوز .
لنا قلوب عامرة بحب الله،والعبادة بحب أصدق العبادات ولو قلّت فيها الطاعات،يعلم الله أن قلوبا تحبه وتخشاه،وتؤمن به وترجوه،وبالرحمة تدعوه.
لذا ما أسرع ما تطمئن قلوبنا حين يرحل عزيز علينا.
بشائر مفهومة وغير مفهومة تؤكد لنا أن النهاية جميلة،وأن القادم أجمل،وأن اللقاء كائنٌ لا محالة.
قفلة:
طيبوا يا أمواتاً في القبور،أحياءً في الصدور.
لكم ربٌّ غفور،ورحمة ونور،ووِردٌ طهور.
اللّهمّ عاملنا جميعًا بما أنت أهلٌ له؛إذ أنت أهل التقوى والمغفرة،ولاتعاملنا بما نحن أهلٌ له،إذ أننا المذنبون المقصرون وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين.
التعليقات