فيما تمر بنا الذكرى الواحدة والتسعون لليوم الوطني السعودي، ربما كان هذا اليوم المجيد، وفي ظل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة العربية، من أهم المناسبات التي ينبغي استعادتها وتأمل الدرس فيها، لأن ما تمر به المنطقة العربية حالياً ومنذ 10 سنوات في ظل ما سمي بالربيع العربي، سيكشف لنا أهمية العمل التأسيسي العظيم الذي قام به الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود باني الدولة السعودية الثالثة.

ففي ظل هذه الانهيارات التي تشهدها منطقة المشرق العربي، وخروج منظومة الدولة العربية من وظيفتها وهويتها وانتظامها الذي كان ينبغي أن يكون هو الكيان الجامع بعد الضربات التي حدثت لها، خصوصاً في سوريا والعراق، سنجد أن التأمل اليوم في درس الحدث التاريخي العظيم لليوم الوطني السعودي هو الأجدى ل بالتمثل الذي يجب علينا إدراكه تماماً كسعوديين.

لم يكن اليوم الوطني السعودي يوماً للاستقلال من المستعمر، كسائر أعياد اليوم الوطني في دول المنطقة العربية، التي نالت استقلالها من المستعمر وورثت بنيةً جاهزةً للدولة ولحدودها ولجهازها الإداري وخدمتها المدنية وهويتها السياسية، بل كان اليوم الوطني السعودي تتويجاً لجهد عظيم وملحمة وطنية عظيمة انتهت بالوحدة بين أجزاء كبيرة من الجزيرة العربية لم تشهد وحدةً منذ قرون طويلة.

ولقد كانت تحديات الوحدة تعكس أعباءً كثيرةً في بناء الدولة، ومواجهات الفوضى والشتات والفرقة، كما كانت من ناحية ثانية تختبر تحديات النهضة، وكل تلك المسيرة الوطنية قادها الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود بجدارة واستحقاق عكسا نبراساً مضيئاُ للأجيال السعودية الجديدة.

إن تفكيرنا في الجهد الاستثنائي للملك المؤسس عبد العزيز آل سعود حيال بناء الدولة يكشف لنا مدى عبقرية رجل الدولة التي توفر عليها، فالتحديات الضاغطة والظروف العصيبة التي مرت بها المملكة في أطوار نشأتها وتأسيسها كانت من جنس الصعوبات التي لا يستطيع التغلب عليها إلا رجل فذ كالملك عبد العزيز رحمه الله.

اليوم، وبفضل تلك الجهود الوحدوية العظيمة التي كانت تتويجاً ليومنا الوطني، في العام 1932 أصبح من المهم، بعد مضي قرابة القرن، أن نتأمل في انجاز ذلك اليوم بوصفه ذكرى حية وذاكرة متجددة.

إن درس الوحدة كان الوجه الآخر من درس التوحيد، فمن خلال التوحيد والوحدة اتضحت الرؤى وتبلورت الأفكار العظيمة لدى باني الدولة السعودية الثالثة.

ليس من السهل توحيد بيئات وقبائل ومناطق لم تعرف الوحدة لألف عام، ولكن إرادة الملك عبد العزيز آل سعود وعبقريته الفذة هي التي استجابت لذلك التحدي الذي عجز عنه كثيرون في التاريخ وحققه رجل واحد هو الملك عبد العزيز، رحمه الله. لم يكن سهلاً بناء دولة في الصحراء في القرن العشرين إذا لم تكن ثمة رؤية، وإرادة وحزم كالذي تميز به الملك عبد العزيز، رحمه الله. لقد وحد الملك المؤسس المملكة العربية السعودية وأعاد فيها تنظيم الحياة وفق إيقاع القرن العشرين، في ظل ظروف بالغة الصعوبة وتحديات بالغة التعقيد، لكنه لم يستسلم ولم يقبل إلا بالاستجابة للتحدي. وسنجد ذلك واضحاً في رؤية الملك عبد العزيز وسلوكه واعتداده بنفسه حين تثمل أمامه الأديب اللبناني المعروف أمين الريحاني (صاحب كتاب ملوك العرب) بقول الشاعر الجاهلي:

إنا وإن أنسابُنا كرمت * لسنا على الانساب نتكلُ

نبني كما كانت أوائلنا * تبني ونفعل مثل مافعلوا

فقال له الملك عبد العزيز، قل:

نبني كما كانت أوائلنا * تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا