انتخابات العاشر من اكتوبر وفرت للناخب العراقي اول فرصة تاريخية للانتقام الديمقراطي من الاحزاب الحاكمة الفاسدة المتسلطة على رقاب الشعب بالتزوير والاحتيال والمال المغتصب والقوة الغاشمة والقمع المتسلط، وذلك من خلال توفير الادوات الالكترونية والاشراف الدولي واختيار لجنة من القضاة وليس ممثلون لاحزاب فاسدة، وذلك للاشراف النزيه على الانتخابات.

وفد تحقق هذا الانتقام المدني من خلال قلة مشاركة الناخبين المشمولين بالتصويت (43%)، وعدم التصويت للاحزاب الفاسدة والكيانات الممثلة للمجموعات المسلحة القائمة على الاساس الطائفي، ومن خلال عملية التصويت التي جرت للانتخابات فقد خسرت كتل نيابية كبيرة مقاعدها البرلمانية، مثل كتلة الفتح للعامري اذ نزل عدد كراسيها النيابية الى 17، ودولة القانون للمالكي الى 37، وكتلة النصر للعبادي الى 4، وهكذا فقد تحقق اول تغيير بالمشهد السياسي الانتخابي بالعراق منذ سقوط النظام البائد.

وعلى صعيد اقليم كردستان فقد خسر الحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني عددا كبيرا من اصوات انصارهما، وحسب تقارير النتائج الاولية فقد نزل عدد اصوات حزب البرزاني من اكثر من 750 الف صوت في سنة 2018 الى اكثر من 525 الف صوت بخسارة اكثر من 225 الف صوت بانتخابات العاشر من اكتوبر، ونزلت اصوات حزب الطالباني من اكثر من 540 الف صوت في سنة 2018 الى اكثر من 270 الف صوت في انتخابات العاشر من اكتوبر، اي بخسارة اكثر من 250 الف صوت للناخبين، وحركة التغيير فقدت تماما بريقها الشعبي ولم تقدر ان تحصد اكثر من 15 الف صوت من انصارها المصوتين.

ومن خلال التغيير الحاصل في عدد اصوات الاحزاب باقليم كردستان، نشهد ان حزب البرزاني يتعرض لاول مرة الى انتكاسة انتخابية في عدد اصواته، بينما حزب الطالباني يتعرض للمرة الثالثة الى انتكاسة انتخابية وهو يبدو لا يقدر على اعادة توازنه وجمهوره وانصاره الى المستويات السابقة التي كان يتمتع بها، وحزب حركة التغيير يتعرض للمرة الثانية الى انتكاسة انتخابية خطيرة.

ولكن يبدو ان حزب البرزاني خرج من انتكاسة الاصوات بسلامة مع تحقيق فوز ثمين بالرغم من نزول عدد اصوات انصاره، حيث ضمن لنفسه اعلى المقاعد النيابية في مجلس النواب على صعيد الاقليم، وذلك بدون اللجوء الى التزوير والتحايل مثلما كان يلجأ اليه بالسابق، حيث لعب لعبته الانتخابية بذكاء دافعا اغلب انصاره بلزوم وفرض التصويت لصالح مرشحيه، وفي نفس الوقت فان الحزب استغل المشاركة القليلة للناخبين، مما سمح له ان يفوز باكبر عدد من الكراسي البرلمانية.

ومن تناقضات المشهد السياسي، نجد ان الرئيس مسعود برزاني يبارك حزبه بتحقيق الانتصار في الانتخابات وهو بالحقيقة خسر فيها اكثر من مئتي الف صوت، ورئيس الجمهورية يبارك قوباد طالباني بانتصار حزبه بينما بالحقيقة هو خسر ايضا اكثر من مئتين وخمسين الف صوت، وهكذا نشهد ان المشهد السياسي الكردي مزيف من ناحية المواجهة مع الحقيقة المرة التي تبلع في احيان كثيرة دون الكشف عنها.

ولهذا نجد ان الضربات التي وجهها الناخب الكردي بالعراق كانت موجعة ومؤلمة للاحزاب وخاصة للحزبين الحاكمين بالاقليم، وهي قوية المعاني كرسالة محكمة وجهها الناخبون الكرد للسلطة الحاكمة بان الحكم الفاسد المارق لابد ان يزول، وهكذا تلقى البرزاني واولاد المرحوم طالباني درسا قاسيا، وخاصة قادة حركة التغيير، والخسارة الحاصلة بالنسبة للاخيرة كانت شديدة المرارة، وليس من السهل امتصاص الصدمة المتحققة في اول انتخابات شبه نزيهة منذ سنة السقوط تقل فيها التزوير والاحتيال السياسي.

ويبدو ان حالات الغرور والتكبر والعلو التي تعصف بالحكام والرؤساء والسياسين الكرد ما زالت متواصلة، ويبدو ان الاحداث القاسية التي مر بها الاقليم لم تفلح في منح المسؤولين العبرة والموعظة الحسنة، والسياسة الهدامة والمخربة للاحوال الحياتية للمواطنين ممثلة بارتفاع عالي لاسعار اسباب المعيشة، والتي تسلكها حكومة الاحزاب الحاكمة الفاسدة من الديمقراطي والاتحاد والتغيير برئاسة مسرور وقوباد قد جلبت مآسي معيشية وحياتية واقتصادية واجتماعية قاسية لكرد العراق بالاقليم وفي المناطق المتنازع عليها، لهذا جاء رد فعل المواطن والناخب الكردي على الاحزاب الثلاثة قاسيا في اول فرصة انتخابية حقيقية تميزت بالمصداقية والثقة الديمقراطية بالرغم من تحقيق نسبة قليلة من المشاركة، ولكن في الانتخابات المستقبلية فان هذا الرد الحكيم سيزداد قوة وحجما، وليس من المستبعد ان يلجأ الناخب الكردي في المستقبل القريب الى ازاحة ملموسة للحزبين الحاكمين وذلك لفسادهم وجورهم وقمعهم للارادة الحرة للشعب الكردي بالعراق، خاصة بعد ان تمكن الناخب بنجاح تام من ازاحة حركة التغيير تماما من الساحة السياسية.

المهم في الامر، ان حزبي البرزاني والطالباني وحركة التغيير قد تلقوا ضربة موجعة من الناخب الكردي، وهذه الاحزاب الفاسدة صارت في مواجهة مباشرة مع الارادة الحرة للكرد، وهذه الارادة بعد ان جمدها نظام الحكم العائلي والحزبي بالاقليم لعقدين، عادت ونهضت من جديد وقد حققت بعض الشيء من رد الاعتبار، ووجهت ضربة انتخابية موجعة لنظام السلطة، وبلا شك فانها ستحقق المزيد بالمستقبل وسترسم اهدافها وتبث رسالتها المصيرية في الانتخابات المقبلة بالاقليم بشجاعة وبارادة حرة كاملة، ويومها لات ساعة الندم للحكام الجائرين الفاسدين المارقين بالاقليم الذين زرعوا فسادا رهيبا لا مثيل له منذ ثلاث عقود على ارض طاهرة وشعب منبعه الاخلاق الحميدة والممارسات الانسانية النبيلة.

بالختام نقول حسبنا الله ونعم الوكيل على افعال الطغمة الحاكمة المنكرة وممارساتها الفاسدة الجائرة، والله من وراء القصد.