الموتى لا يعودون. نضع حجرا كبيرا على قبرهم كي نضمن أن لا يعودوا، كما يقول الأديب التشيكي كونديرا.
في اعتقادي، ان أكثر أهل السنة قد يقولون ليته يعود. وفي اعتقادي بل يقيني ايضا ان كثيرا من الشيعة سيقولون بالمثل ليته يعود.
قد نرفض التصديق ان الشيعة يترحمون على صدام حسين. فهم من خانه وأطاح به، فكيف يتمنون ان يعود؟
الحقيقة هي أن الشيعة لم يخونوا الرئيس العراقي السابق، بل السنة من فعل. وهذا على لسان ابنته رغد. فمن وشى بعدي وقصي هم السنة. ومن وشى بصدام نفسه هم السنة أيضا. وسأزيد ان الشيعة قالوا، وفي مناسبات عديدة، ان لو لجأ إليهم صدام حسين لما خانوه، ولا أسلموه لجلاديه. وأنا اصدق ذلك تماما.
أما بالنسبة للترحم على صدام حسين، فيجب أن نفرق بين أمرين: صدام حسين نفسه، وأيام صدام حسين.
بالنسبة للشخص ذاته، فهذا موضوع جدلي بين من هو معه او ضده، سنيا كان ام شيعي. بالنسبة لأيامه، فهذه متفق على أنها افضل بكثير من أيام العراق اليوم.
كل لحظة، تطالعنا مواقع التواصل الاجتماعي على مقابلات ومقالات تترحم على تلك الأيام التي كان الناس ينعمون فيها بالأمن والخبز. وأيضا، السيادة والمكانة العالية. كان العراقي يسير رافعا جواز سفره فوق رأسه فتفتح له ابواب دول العالم. اليوم، يكاد يخفيه في طيات ثيابه خوفا ان يعتقدوه لاجئا من اكثر الدول فقرا وتعاسة.
العقلاء والجهلاء يقارنون شاؤوا أم أبوا، بين ما كان عليه الوضع وما أصبح. والنفس البشرية الجانحة الى الرفاه، لن ترضى بحال اقل مما اعتادته. لكنها مكبلة الأيدي، فلا تملك سوى الترحم على ما كان.
نقف اليوم أمام حكومة جديدة في العراق. ولن تفيد الآف المقالات او الآهات في إعادة الموتى، لكن إرث العراق، ومكانته التي رأيناها عليه وقت صدام لم تمت بعد. وعلى الحكومة الجديدة ان تعيد بث روح جديدة فيها.
ليس العراقيون وحدهم المذنبون بحق بلدهم، فالدول العربية تشاركهم الإثم نفسه، يوم اعطت ايران الفرصة وغبنا نحن عن الحضور. سقط صدام، وعوضنا ان نبادر بدعم حكومة جديدة تحفظ بوابة العرب الشرقية، جلسنا نتباكى كيف أعدموا صدام يوم عيد اضحى.
صدام حسين لن يعود، فهو في ذمة الله، وله من الله ما يستحق. لكن إرثه، او لنقل، ما تبقى من إرث نظامه الذي حافظ على تراب العراق، وأمنه، هو كل ما بقي كخارطة طريق نسير عليها بالاستفادة من اخطاء الأمس.
وإن تحسس البعض من عبارة "إرث صدام" فالنقل "إرث العراق" الذي كان شامخا، وليس مستحيلا ان يعود، هذا إن أردنا له حقا ان يعود.
العراقيون شيعة وسنة، والطوائف كلها، لا يريدوننا ان ننفض ايدينا عنهم كما فعلنا من قبل، فكلهم منا ونحن منهم. وهم إلى لحمنا ودمنا اقرب لهم من إيران.
التعليقات