أثارت بعض توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية جدلًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن. والواضح أن الأردنيين كلهم، أو بعضهم، لا يقرأون تاريخهم جيدًا وفلسفة قيام دولتهم التي تحتفل بمئويتها وأهدافها في رفضهم لبعض توصيات اللجنة الملكية، خصوصًا لجهة الهوية الوطنية الجامعة.
هدفت اللجنة من خلال التوصيات للوصول إلى "سيناريو" توافقي بشأن تحديث المنظومة الانتخابية، أبرزها: تعزيز الهوية الوطنية الجامعة، وحماية وحدة المجتمع الأردني وتماسكه، والتمثيل العادل لفئات المجتمع الأردني ومناطقه كافة.
وأكدت اللجنة في أحد توصياتها على "الهوية الوطنية التي تدمج الجميع وينتمي إليها الجميع"، واعتبرتها "أحد الشروط الأساسية لبناء النموذج الديمقراطي الوطني، وهوية مركزية جامعة تلفظ الهويات الفرعية وتحتفي بالثقافات الفرعية للمجتمعات المحلية وللمدن والقرى والجماعات، والهوية القوية المتماسكة هي إثراء حقيقي للنموذج الديمقراطي الوطني".
ويعتبر رافضو "الهوية الجامعة" أن الهدف منها هو "دعم فكرة الوطن البديل للفلسطينيين". ويرى آخرون أن الفكرة موجودة "منذ زمن"، معتبرين أن "جزءًا مهمًا من صفقة القرن هو إلغاء الحق في العودة، وترسيخ فكرة الوطن البديل، وهذه الهوية المشوهة تقودنا إلى ذلك".
أرى أن الهوية الجامعة هي الأساس الذي قام عليه الأردن كدولة قبل مئة عام لظروف النشأة والتاريخ والجغرفيا والوجود والاستمرار والديمومة والثبات، وهي بكل توصيفاتها ومعانيها تعطي الأمن والأمان والطمأنينة لكل من على الأرض الأردنية حاضرًا، ومستقبلًا لأجيال تأتي وتتماهى مع التطورات والتقلبات والتداعيات والصراعات الإقليمية الممتدة، ولا حدود لنهاياتها في ظل غياب سلام دائم وشامل.
لعل نموذجي الناجح في الهوية الجامعة هو النموذج البريطاني الذي يجمع بانتماء وولاء واحد غير مسبوق عشرات من الأعراق واللغات والعادات والتقاليد والعقائد من العالم في الجزر البريطانية، تحت مظلة واحدة وفي كيان واحد لا يتزعزع هو المملكة المتحدة.
وإذ ذاك، فإن ما يضمن الاطمئنان لوجود الدولة الأردنية واستمرارها، ليس الدعوات الإقليمية الضيقة التي تعشعش في أفكار بعض الشرق أردنيين الذين آن الأوان ليدركوا حقيقة وفلسفة قيام الدولة التي تضمهم مع غيرهم من الأقوام والشعوب الشقيقة، كما عليهم التنبه إلى أنه حتى أسرة الحكم الهاشمية ليست أساسًا من شرق الأردن، إنما هي حجازية الأصول، هذا فضلًا عن عرقيات أخرى كالشراكسة والشيشان والأرمن الذين ساهموا مع مجمل السكان الأصليين واشقائهم من فلسطينيين وسوريين وحتى يمنيين ولبنانيين وعراقيين ومن الجزيرة العربية في بناء الأردن الحديث كدولة عصرية.
لهذا، لا خوف من الهوية الوطنية الجامعة على الأردن من أية مؤامرات يُحكى عنها بين حين وآخر، مثل "الوطن البديل" أو غيرها، ففي نهاية المطاف يجب أن تكون هناك حلول دائمة وثابتة تؤصل لحقوق الجميع الشرعية، وتخدم مصالحهم ووجودهم من أردنيين أصليين وفلسطينيين لاجئين في الأردن أو في الضفة الغربية وقطاع غزة أو في أراضي 1948، وإسرائيليين "يشكلون أغلبية الدولة العبرية"..!
التعليقات