بعيدا عن الجوانب السياسية المتعلقة بزوبعة جورج قرداحي التي يبدو أنها معركة مقصودة، خليجيا، وسعوديا، تحديدا، لضرب خاصرة إيران اللبنانية وتثوير الشعب اللبناني على حزب الله المسيَّر بعصا ولاية الفقيه، بتوقيت مقصود فرضه أمران، الأول بلوغ ضيق المواطن اللبناني حدودَه القصوى بحزب الله الذي صادر الأمن والعدالة والخبز والدواء، وأغلق شرايين التجارة اللبنانية السابقة مع دول الخليج، والثاني حدوث متغيرات مهمة إقليمية ودولية مستجدة ضاعفت عزلة النظام الإيراني، وفاقمت معاناة الشعوب الإيرانية، واضافت إلى ضغوط أمريكا وإسرائيل تهديداتٍ إضافية لأمنه من شرق البلاد،.

كما أن هذا التحرك السعودي والخليجي ضد قرداحي متعمَّدٌ للإعلان عن إنهاء المحادثات السرية السعودية الإيرانية في بغداد، بعد أن ثبت أن هذا النظام لا يؤتمن ولا ينوي أن يصدق في حوار.

إن هذه المقالة مخصصة لرصد حالة النفخ المبالغ فيه في صورة جورج قرداحي الشخصية والمهنية، واحتدام المشاركة الجماهيرية معه أو ضده. فبعض من المعلقين رفعه إلى مقام الإعلاميين العرب العباقرة، وبعضٌ آخر أنزله أسفل سافلين.

والحق أن جورج قرداحي بدأ مذيعا وانتهى مذيعا، ولم يطور نفسه، ولم يستطع أن يخرج من إطار المذيع الذي ينقل ما يكتب له.

وأفضل ما يوصف به المذيع الناجح هو أن يكون آلة فاكس ناطقة تنقل ما يُدخل فيها بأمانة وبدون زيادة ولا نقصان. ويبقى صوت المذيع وأسلوبُه في الإلقاء والأداء ما يميز مذيعا عن مذيع، فيجعل هذا محبوبا ومشهورا وذاك سحابة صيف يمر ولا يترك أثرا وراءه يذكره به المستمعون.

فقد كانت بداية جورج قرداحي المهنية في إذاعة مونت كارلو، وهي الوحيدة التي يمكن لمذيع غير مثقف ثقافة جادة وجيدة أن أن ينجح وأن يحقق شعبية، ولكن في جمهورٍ غير مثقف أيضا وسطحي مثله أيضا.

ومعروف أن الخبراء العرب الكبار المتخصصين في العمل الإذاعي، والإعلامي وضعوا مونت كارلو في خانة الإذاعات الخارجة على تقاليد العمل الإذاعي الأصولي وقوانينه ومقاييسه. فهي بدأت وما زالت مصممة لتخاطب طبقة المستمعين البسطاء والسذج ببرامج ترفيهية سطحية تعتمد كثيرا على برامج الضحكات والقفشات والمسابقات والطرائف تتخطى، أحيانا، حدود المقبول اجتماعيا، إلا ما ندر، وبحدود.

وقد لعبت شعبية قرادحي التي حققها بين جمهور إذاعة مونت كارلو، مع وسامته وأناقته، دوراً مهما في اختياره من قبل المسؤولين عن قناة MBC السعودية التي تتمتع بانتشار كبير وقدرة فائقة على الإنفاق وشراء براءآت اختراع برامج عالمية ناجحة معروفة تمكنت بها من إثارة اهتمام العوائل العربية في الدول العربية، كافة، ومنها برنامج (من يربح المليون) و)المسامح كريم).

وفي البرنامجين لم يكن دور جورج قرداحي أكثر من طارح أسئلة مصممة ومحددة مقام باختيارها وإعدادها كتاب ومثقفون، معروفون، ومنهم وأهمُهم الدكتور نجم عبد الكريم.

والمسجل في مسيرة قرداحي أنه لم يخترع فكرة برنامج، ولم يتسلم إدارة إذاعة أو محطة تلفزيون، ولم تُسجل له إنجازات إعلامية مبتكَرة مهمة. ولمعرفة حدوده المهنية نضعه بجانب مذيعين بدأوا مذيعين وانتهوا خبراء إعلاميين أضافوا إلى المهنة إضافات بارزة، منهم، مثلا، فاروق شوشة، حمدي قنديل، محمود حسن شعبان، صفية المهندس- مصر، حيدر محمود، محمود الشاهد، جواد مرقة، منتهى الرمحي- الأردن، رياض شرارة، جيزيل خوري- لبنان، حافظ القباني، سعاد الهرمزي، بهجت عبد الواحد-العراق.

والفرق كبير وينبغي احترامه بين مقام المذيع ومقام الإعلامي. ويخطيء من يمنح المذيع والمخرج والمسؤول عن الشؤون المالية والإدارية في إذاعة أو تلفزيون صفة إعلامي. فهي مرتبة أصبحت، اليوم، أرفع وأوسع من مرتبة المذيع والمخرج، مهما كان مجيدا وناجحا في مهنته.

فالإعلامي هو ذلك الذي يتميز بتعدد نشاطاته ومهاراته الإعلامية وتنوعها. ويمكن أن يقال إنه الموسوعي الذي يبرع في التخطيط والتصميم والإدارة لأجهزة إعلام متنوعة، صحافية وإذاعية وتلفزيونية. وبعبارة أوضح، إنه الموهوب والمثقف والمتبحر في علوم الإعلام، والقادر على قيادة عمل المخرج والمذيع والمحرر الصحفي، والذي يرسم خطط العمل اليومي والاستراتيجي معا.

والخلاصة هي أن جورج قرداحي لم يكشف، في طول مسيرته المهنية، عن موهبة وخبرة وكفاءة تجعله أكثر من آلة فاكس وسيمة وأنيقة.

أما منصب وزير إعلام الذي أكرمه به حزب الله فهو الآخر كبير عليه. وبخوضه في وحل الفتنة الحوثية الإيرانية في اليمن قدم دليلا آخر على أنه سطحي وبلا خبرة وثقافة وكياسة.

بعبارة أوضح. إنه كان حبة، ولكن زملاءنا السعوديين جعلوه قبة، وهم يعلمون أو لا يعلمون.