كانت الزيارة الرسمية لوزير خارجية دولة الامارات الى دمشق ولقاءه بالرئيس بشار الأسد بمثابة مؤشر كبير على اتجاه دول الخليج الى تبني موقف رسمي ينهي حالة العزلة الإقليمية لسوريا التي تجاوزت العشرة سنوات، ولعلها أيضا اعتراف صريح بفوز بشار الأسد ضد الربيع العربي وتحظير لعودة نظامه الى الجامعة العربية في قمة الجزائر القادمة والتي سيعلن فيها العرب رسميا وبإجماع اعترافهم بنظام الأسد كنظام شرعي منتخب يمثل جميع الأطياف السورية.

تبدوا مواقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة غامضة نوعا ما حول سوريا، فالأنظمة الديمقراطية تجد حرجا كبيرا في اعلان موقف رسمي داعم لموقف دول الخليج، نظرا لأنها ستصطدم بحملة إعلامية ومنظمات حقوقية ترى من نظام الأسد نظاما ارتكب جرائم حرب وهذا مما سيحرك الشارع ضد الحكومات التي تعترف بالأنظمة الديكتاتورية وتهوي بشعبيتها ومصداقية الديمقراطية التي تتغنى بها من دون مقابل: ان أوروبا والعديد من الدول الأخرى ترى من السوريين عبئا ثقيلا صار لابد التخلص منه وذلك يستدعي دعم الجهود الرامية الى استتباب الأمن ووقف الحرب الميدانية ليتمكنوا من العودة الى سوريا، إذا لا يهم من يحكم دمشق بقدر ما يهم أن تنتهي المعضلة السورية وتصحح الأخطاء التي ارتكبت في معالجة هذا الملف، ولابد أيضا من تعاون أمني مع نظام الأسد لإحصاء اعداد المقاتلين الأوروبيين الذي يزالون ناشطين في صفوف داعش أو معتقلين في سجون النظام.

تتلاقى مصالح الغرب والعرب في عملية إعادة تأهيل النظام السوري في نقاط استراتيجية حساسة وهي عدم السماح لإيران باستغلال الأوضاع الأمنية بتقوية شوكته ونفوده داخل سوريا لتتحول أراضي هذا البلد الى أكبر معسكر إرهابي في الشرق الأوسط، كما لا ترغب دول المنطقة في أن تعطي لإيران الفرصة لخلق كماشة من سوريا شمالا واليمن جنوبا، مسألة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وهي أن حزب الله لا ينبغي أن يأخذ الوقت الكافي ليستغل ود النظام السوري في تقويته تواصله مع إيران داخل أراضيها: لابد أن تفتح قنوات الحوار وأن تعود سوريا كدولة و أن يتم دعمها اقتصاديا مقابل التزامها بحظر نشاط أي منظمة مصنفة في خانة الإرهاب كحزب الله. ان وجود نظام سوري متعافي سيكون له وقع إيجابي على الدولة اللبنانية التي توشك على الانهيار لتترك فراغا كبيرا سيملأه حزب الله وإيران. نقطة أخرى تتعلق بتواجد روسيا العسكري في الشرق الأوسط اذ تنظر له أمريكا بعدم الرضا كأسلوب جديد لروسيا بالتوسع تحت دريعة حماية المنطقة والمصالح الجيوستراتيجية والامنة لموسكو ما وراء البحار بالرغم من أنها متواجدة عسكريا في سوريا في قاعدة شمال الحسكة.

وبالرغم من ان النظام السوري يحاول عبر اعلامه أن يسوق فكرة انتصار الدولة السورية على أعدائها، ووضعهم تحت الأمر الواقع وتغير موازين القوى لصالحه، الا أنه يدرك تماما أن عودته الى الحضن العربي جاءت كطوق نجاة لاقتصاد تجاوز مرحلة الموت الإكلينيكي والقى بثلاثة أرباع الشعب السوري في الداخل في براثن الفقر المدقع بالإضافة الى انهيار العملة السورية وازدياد معدلات التضخم، ولكن وللتاريخ فلقد صدق تحليل بشار الأسد حينما سأله أحد الصحفيين الذي أجرى معه مقابلة ابان بداية دخول سوريا النفق المظلم، حول ردة فعل سوريا اتجاه ابعادها من الجامعة العربية، حيث أجاب الأسد بأن سوريا لا تتعامل مع الأشخاص بل تتعامل مع الأنظمة كما يمكن لهذه الأخيرة أن تغير من مواقفها عندما تعيد قراءة توصيف ما يجري داخل سوريا وبأن الجميع سيحيي سوريا عندما ستنتصر في المعركة، وكأن الأسد كان واثقا تماما من الخروج من الحرب منتصرا وفارضا نفيه بالقوة حتى وان استدعى ذلك أن تحرق البلد بالكامل.

ربما أصبح اخراج سوريا من عزلتها حلا لابد منه لوقف انهيار الشرق الأوسط وتزايد نشاطات الإرهاب فيه، وان كانت عملية تأهيل النظام السوري عربيا عبر بوابة الجامعة العربية كفيلة بعودة جميع السفارات الى نشاطها الا أن هذا غير كاف: تحتاج الجامعة العربية الى كسب موقف واضح وصريح للدول القوية الفاعلة في المنطقة والتي كانت تعارض بقاء الأسد في السلطة لمساعدته: هذه الدول هي الوحيدة القادرة جعل إعادة التأهيل العربية تصل مبتغاها، وهي القادرة على اخضاع تركيا بوقف انتهاك السيادة السورية واسترجاع أراضيه بالكامل مع الحفاظ على سوريا من دون تفكك بإلغاء دعمها للقوات الغير نظامية بالعتاد والسلاح.