لعل أهلنا في القطاع يتذكرون فيضانات تشرين الثاني من سنة 2014، في قطاع غزة، والتي شردت العشرات من الأسر واغلقت المدارس والطرقات وجعلت الأمم المتحدة تعلن حالة الطوارئ ...

تعود نفس المشاهد الى القطاع بعد 8 سنوات من دون أن يتغير حال غزة، حيث اكتفت البلدية بتقديم خدمات أقل ما يقال عنها أنها بدائية وتكشف حجم الغياب التام للإمكانيات فيما حملت حماس الاحتلال مسؤولية الفيضانات بتدميرها لشبكة الصرف ومنعها لدخول مواد اعادة الاعمار، والحمد لله أنها لم تحملها مسؤولية انسداد البالوعات وهطول الأمطار بكثافة في مدة زمنية قصيرة مما سبب الفيضان.

لقد كشفت الفيضانات الأخيرة مدى العجز والتخبط الذي تعيشه حكومة غزة التي تديرها حماس، والتي عجزت على مدار السنوات التي أدارت فيها احوال الناس، في أن تعيد صيانة البنية التحتية المتهالكة، بالرغم من الأموال التي تلقتها من قطر وإيران طيلة هذه الفترة، متعاملة مع الوضع بأسلوب النعامة التي تدفن رأسها حينما تشعر بالإحراج أو بالخطر.

ولقد كان مجدي الصالح وزير الحكم المحلي، صريحا عندما حمل حماس مسؤولية الدخول في مواجهة عسكرية غير محسوبة العواقب، وجعلت البلديات والهيئات المحلية لا تقوم بدورها المنوط به في ظل غياب الدعم وذهاب أموال الجباية الى خزائن حماس التي تتصرف بها من أجل التسليح ودفع رواتب المقاومة، من دون أن تأبه لمسؤولياتها في توفير الحماية المدنية اللازمة واعطاء البلديات امكانيات أوفر للتعامل مع مثل هذه الكوارث الطبيعية.

غرقت شوارع غزة في 2022 بنفس الطريقة التي غرقت فيها عام 2014 وأكدت بذلك غياب أي دور فعلي لتحسين الخدمات في قطاع يعيش عزلتين: عزلة يفرضها الاحتلال بفرضه حصارا ظالما، وعزلة تفرضها حماس بسياساتها التي تهدم ولا تبني وتحمل المواطن أكثر من طاقته تحت شعار المقاومة، لقد اكتفت حماس طيلة ثمانية سنوات بتقديم مسكنات للبنية التحتية المتهالكة والتي تحتاج الى إعادة تهيئة كاملة جراء غياب الصيانة والقصف العسكري للاحتلال الذي لم يكن ليحصل لولا اختيارها للمواجهة التي لم تؤدي الى أي شيء سوا الخراب والدمار وها نحن نرى نفس الانتهاكات في حي الشيخ الجراح بعد شهور من المواجهة العسكرية التي اندلعت بسببه، والذي ارادت من خلاله حماس أن تحقق نصرا على السلطة الفلسطينية لا على الاحتلال من خلال اللعب على تحريك العواطف وإظهار نفسها في ثوب الحركة التي تستطيع مواجهة الاحتلال .

على حماس أن تبادر بمقاومة البرد والجوع والمياه التي تجرف شوارع غزة، قبل أن تتهم الاحتلال بالتسبب في الفيضانات والسلطة في عدم تقديم المعونة في ظل هذه الأوضاع التي يعيشها القطاع، كما ان نفي المسؤولية والاكتفاء بتعليق العمل الحكومي واغلاق المدارس يؤكد تماما أن إدارة شؤون القطاع مسألة تتجاوز قدرات حماس واهتماماتها في بالرغم أنها تتشارك مع الاحتلال في المسؤولية الكاملة في كل ما يجري من دمار وخراب وفقر داخل غزة، وإذا كان الكلام عن الإخفاق في معالجة بنية تحتية متهالكة يزعج حماس فان ذلك يؤكد أنها تعالج الأمور على حسب أولوياتها ومن دون أن تأبه لمعاناة أي أحد، يفترض أن تكون حماس أكثر شعورا بالوعي والمسؤولية اتجاه مواطني القطاع، لا أن تكتفي بنصحهم بالبقاء داخل البيت تحت البطانية واستمتاع الأطفال بتعليق الدراسة ومشاهدة الرسوم المتحركة الى غاية أن يمر المنخفض الجوي .