بإعلان قيام مجلس القيادة الرئاسي اليمني بالرياض يوم الخميس الماضي، الذي ترأسه الدكتور رشاد العليمي وضم في عضوية سبع شخصيات تمثل الطيف اليمني بشكل عام، يدخل اليمن مرحلة جديدةً من فصل التحولات، على وقع أحداث ومتغيرات لظروف دولية وإقليمية لعبت دوراً في ذلك التحول.

بقيام هذا المجلس، الذي كان نتيجة لحوارات شفافة جمعت كافة ألوان الطيف اليمني في العاصمة السعودية الرياض، كان النجاح الذي توج نهاية المشاورات بين القوى السياسية والاجتماعية لليمن، وليصبح بمثابة خارطة طريق جديدة للخروج من الأزمة التي عصفت به منذ احتلال الحوثيين لصنعاء في العام 2014.

ولقد انتهت مشاورات الرياض بخريطة طريق ومخرجات حملت 11 بنداً، رسمها نحو 800 يمني مثلوا مختلف المكونات السياسية.

هذا يعني أن اليوم، هناك مؤشرات قوية على ضرورة الخروج من هذه الأزمة، حيث أن أكبر التحديات التي كانت تواجه القوى السياسية اليمنية كافة، هو انقسامها وتشتتها بين محاور مختلفة داخل اليمن وخارجه مما عزز من قدرة الحوثيين على استثمار ذلك الخلاف بين الفرقاء اليمنيين.

وبتوحد كافة قوى النسيج السياسي والاجتماعي لليمنيين الذي تمثل بإعلان قيام مجلس القيادة الرئاسي اليمني، سيمثل ذلك خطوة جبارة وانجاز تاريخي له ما بعده في تقرير مجريات الأحداث السياسية في اليمن، وقريباً ستشهد الأيام القادمة نتائج ذلك التوافق التاريخي لليمنيين على خارطة الطريق التي طوروها عبر حواراتهم ونقاشاتهم.

ويمكن القول أن تطورات الأحداث الإقليمية والعالمية على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية ربما كانت مؤشراً سرع بإنجاز هذا التوافق اليمني الكبير في الرياض.

فاليوم سوف ترسم نتائج الحرب الروسية الأوكرانية باعتبارها حرباً في قلب أوربا؛ الكثير من الرسائل والمتغيرات والتحالفات والمحاور التي ستبرز على الصعيد الدولي.

وإذا ما عرفنا أن الحرب في اليمن لها علاقة قوية بتدخلات إقليمية، مع بعض التواطؤ لجهات دولية، من وراء ستار، يمكننا القول أيضاً: أن السنوات الثمانية التي أنهكت الأوضاع في اليمن وكادت أن تؤدي به إلى فوضى كبيرة، هي أيضاً اليوم ربما تؤشر على انتهاء اللعبة، في ضوء المتغيرات الجديدة التي ينبئ بها عالم اليوم .

وبما أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تعكسان حرصهما الكبير على الأمن الاستراتيجي للخليج واليمن، منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء في العام 2014 بتواطؤ من الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، فقد كان دورهما السياسي والاستراتيجي والاقتصادي لإنجاح نتائج المشاورات اليمينة عبر خارطة الطريق الجديدة هو الدور الأكبر والأهم، وتمثل ذلك في كافة أنواع الدعم لليمن ضمن الرؤية الجديدة لمجلس القيادة الرئاسي اليمني، بما عبر عنه من أطياف وطنية تشمل كافة مكونات اليمن. ويبدو أن الجهد الكبير والاستثنائي الذي بذل في هذا الصدد سيعكس نتائج طيبة ومرجوة في القريب العاجل.

اليوم، لازالت الهدنة سارية، ونرجو أن تكون هذه الهدنة سببا للتركيز في ترتيب أولويات تفرضها المصلحة العليا للشعب اليمني إذا ما فكر فيها الحوثيون بعيداً عن التحيزات الطائفية والمذهبية والايدلوجية التي لم يحصد منها اليمن سوى الدمار .

إن مشاورات الرياض التي لقيت ترحيباً إقليميا ودولياً، تعتبر اليوم بمثابة الفرصة الأخيرة لإنقاذ اليمن، في ظل متغيرات إقليمية ودولية تدفع بذلك الاتجاه، ولحسن الحظ أن المملكة العربية السعودية التي بذلت جهوداً عظيمة من أجل جمع كافة قادة الرأي والسياسة والعلم والفكر في اليمن، تسهر اليوم على انجاح دور مجلس القيادة الرئاسي اليمني الجديد بعد أن مثل في مجلس قيادته رموزاً شملت كافة المناطق اليمنية، مما سيعني توحيداً للجهود اليمينة الوطنية ضد كل من يعارض وحدة الوطن.

إن المرجعيات التي أكدها الرئيس الجديد للمجلس الرئاسي الدكتور رشاد العليمي - وعلى رأسها المبادرة الخليجية لليمن - بقوله: " يؤكد المجلس التزامه التام بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل واتفاق الرياض، ومضامين مخرجات المشاورات اليمنية - اليمنية المنعقدة في الرياض برعاية مجلس التعاون لدول الخليج، وأحكام القانون الدولي والأعراف الدولية والقرارات الأممية" هي التي يمكن أن تضمن مستقبلاً زاهراً لليمن من خلال تنفيذ بنودها.

ولقد كان في اختيار القوى الوطنية اليمنية في مشاورات الرياض للدكتور رشاد العليمي رئيسا للمجلس القيادة الرئاسي اليمني، اختياراً وافق أهله، فالرجل الذي طالما تميز بأنه موضع إجماع ورجل إجماع، إلى جانب حنكته السياسية ودراسته الأكاديمية العارفة بالخارطة المجتمعية لليمن، وكذلك القبول الذي يحظى به محلياً وإقليمياً ودولياً، كل تلك المواصفات تدل على أنه رجل المرحلة لقيادة اليمن في ظل هذا الظرف الانتقالي الخطير الذي يعيشه اليمن.

ربما قد حان الأوان ليستريح اليمن الشقيق من متاعب الحرب وأهوال الكوارث إذا ما استمرت الهدنة واسفرت عن هدنة متجددة طويلة تكون بمثابة بوابة للسلام، و فرصة للتأمل في تدبير خروج آمن لليمن من أوضاع الحرب الأهلية، والتدخلات الإقليمية التي جعلت منه ساحةً غير سعيدة بأهلها.