لا يمكن لأيً كان في العالم العربي أن ينكر النجاح الّذي حققه فنان العرب محمد عبده من ناحية الأعمال الخالدة والحضور القوي على خشبة المسرح، رغم كثرة تواجده على المسرح خلال هذه السنوات، ورغم أنه متوقف عن الإنتاج الفني بشكله الحقيقي منذ عشرات السنوات. لكن في نفس الوقت و من خلال اللقاء الأخير مساء البارحة الذي ظهر فيه فنان العرب في استضافة الإعلامي علي العلياني من خلال برنامج مراحل، بدا محمد عبده وكأنه غير مدرك بأن مشروع الحداثة في الأغنية السعودية بالذات قائم بالفعل وفي أوج نجاحاته، و يقوده كبار فناني السعودية، تقوده النخبة التي لم تتوقف عند فكرة أنها أصوات جميلة تعيش على عتبة اختيارات الكبار الذين سبقوهم، النخبة التي أكملت مسيرة الأغنية السعودية و أنقذتها من حدوث فجوة كما حدث في اللأغنية الاماراتية وغيرها، لم يدرك في حديثه وهو يستنقص الأغنية الجديدة بأن النقد الذي واجهه هذا المشروع الحداثي في التسعينات وكان يلاقي صداه في صحفات الجرائد والمجلات قد انتهى.
المهتم بالشأن الفني يستوعب أن الأغنية التقليدية لا مكان لها في الإنتاج الجديد، ولا بين الجمهور الحالي، ولا توجد أصلًا أي أداة من أدواتها لا من ناحية الكلمة ولا اللحن ولا حتى المتلقي. و إن وُجدت فهي فعلًا غير مؤثرة ولنا في ألبوم محمد عبده الأخير عبرة.
أن يذكر فنان بحجم محمد عبده جملة (أن أغاني عبدالمجيد عبدالله على سبيل المثال هي أغاني مرحلية) لا بأس لأن لهذا المصطلح عدة أوجه، ولكن أن يردفها بكلمة (للأسف) فهذا شيء آخر يجعل المتذوق الفني يتساءل عن أي أسف يتكلم!
من الطبيعي في زمن السرعة والديجيتال أن تكون الأغاني مرحلية ولكن ما معنى مرحلية؟
مرحلية بمعنى تقفز بالفنان من دائرة جماهيرية إلى دائرة أوسع، تضع أسمه في المقدمة دون أدنى مبالغة، تصنع له فوق نجوميته السابقة وهجاً أوسع في أوساط الجماهير العامة، وأقرب مثال (حن الغريب)، ثم ما العيب لو نُسيت أغنية ما بعد برهة من الزمن؟ المهم أنها نجحت وحين يتم تذكرها يتم تذكر أيام نجاحها أو بالعامية (فرقعتها) وهذا بحد ذاته نجاح يحسب للفنان الذكي فالأغاني ليست مواعظ أو أحداث تاريخية هي (قوالب إنسانية عاطفية جميلة يقدمها الفنان بشكل يلمس روح الإنسان)
هل محمد عبده يتقمص دور حارس التراث الفني في الجزيرة العربية؟ أو أنه ويريد أن يتم احتكار أصوات الفنانيين ويعريهم من قدراتهم الفنية وأفكارهم الابتكارية وطريقة تشكيلهم للفن الذي يتناسب مع أذواقهم؟ وإن لم يكونوا كذلك فإنه (يا للأسف)
هل غاب عن ذهنه أن الأغنية التقليدية حاضرة وموجودة ولدينا أرشيف قدمّه هو وطلال مداح وعبادي وعبدالمجيد وراشد الماجد وغيرهم من كبار الفنايين سابقًا وحاضرًا ولا زال موجود ويُغنى، باللإضافة للذلك فقد عاش محمد عبده بعض التناقض في حديثه عن الأغنية الحديثة حين تساءل المذيع عن سبب اختفاء علي عبدالكريم ومحمد عمر فكان رده بأن قال: أنهم لم يطوروا أنفسهم والفن يحتاج تطوير! وفي نفس الوقت عاد فعاب على عبدالمجيد وغيره التطور والخروج من عباءة التقليد!
ومع هذا يبقى تاريخ محمد عبده إرث فني للجميع ويبقى الفنانيين السعوديين من بعده واجهة حضارية مشرفة للملكة العربية السعودية من خلال تدوال أعمالهم وحضور حفلاتهم في دول الخلليج وحتى العالم العربي..
التعليقات