مقتدى الصدر رجل الدين الشيعي وابن رجل الديني الشيعي ماليء الدنيا وشاغل الناس، جمع تناقضات الدنيا في شخصه، فهو الوطني الغيور والطائفي الشرس والسياسي والإصلاحي والثوري وهو المعارض ضد الحكومة التي يشكل نصف طاقمها وهو الخطيب الحسيني وزعيم شعبوي كبير يرفع شعار "لاشرقية ولا غربية"، لا للاحتلال الامريكي ولا للمحور الإيراني مع ان سطوته السياسية وهالته الشعبية لم تظهرا الا بعد احتلال القوات الامريكية للعراق وهيمنة ايران وحلفائها على الحكم في بغداد، جرب كل أنواع السياسية من الميكافيلية والبراكماتية الى الليبرلية والثيوقراطية الكهنوتية "الغاندية!"، شكل تحالفا مع الشيوعيين عام 2018 ودخل في تحالف ثلاثي مع الكرد والسنة 2020 وهو لم يترك مجالا في السياسة الا وخاض فيه وتفوق على الكبار السياسيين ..

احب المناصب واخذ حصة الأسد منها في كل الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 (حصل على رئاسة 16 لجنة برلمانية من اصل 25 لجنة شكلها البرلمان مؤخرا)‏ ومع ذلك فهو لا ينفك يناشد الأحزاب السياسية في رومانسية وطنية جياشة ‎"‎خذوا المناصب والكراسي، واتركوا لي الوطن!.. ماضون بالإصلاح ولن نتنازل!"‎‏ وكأن العراق بفضل اصلاحاته اصبح اغنى واجمل واعظم دولة في المنطقة، لا اوسخ واسوء واوحش دولة في العالم كما جاء في تصنيف منظمة الشفافية الدولية! والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة؛ ماذا انجز قائد "التيار" وصاحب ثلاث ميليشيات طائفية "جيش ‏المهدي وسرايا السلام ولواء اليوم الموعود" للعراق والعراقيين كل هذه السنوات الطويلة؟؛ هل ردع ‏فاسدا أواصلح مؤسسة حكومية وارتقى بها؟! الجواب؛ كلا، بل ساهم بشكل مباشر ومن خلال مشاركته الطويلة في إدارة الحكومات المتعاقبة في إيصال العراق الى الحالة المزرية التي هو عليهاالان.

والصدر لم يقف عند هذا الحد بل سعى جاهدا لاسكات كل صوت يدعو الى التغيير، فعندما اندلعت الانتفاضة التشرينية الشعبية الإصلاحية، وقف ضدها وعدها "بداية فتنة يخططون لها بدعم خارجي مشبوه!" وطالب المحتجين بـ"عدم زج العراق في أتون العنف والغوغاء الأرعن والتصرفات الصبيانية السّمجة" ودعا الحكومة الى مواجهتها، وفي حال عدم قيامها بذلك "فاني مضطر للتدخل على طريقتي الخاصة والعلنية".هذا هو رأي الصدر بالإصلاحات عن طريق الانتفاضات والاحتجاجات! يريد ان يكون هو فقط من يحرك الشارع العراقي ويحتكر حق الانتفاضات "المليوينة!"ولا يشاركها فيها احد!

أراد تشكيل حكومة اغلبية وطنية فشكل مع الثنائي الحلبوسي السني والبارزاني الكردي تحالفا سماه "انقاذ وطن" ولكن تعذر عليه تشكيل الحكومة لانه لم يستطع احراز ثلثي مقاعد البرلمان "220" كما حددته المحكمة العليا المسيسة!، فذهب الى "الاعتكاف" دون استشارة حلفائه الكرد والسنة الذين كانوا يتعرضون لابشع أنواع الهجوم من قبل خصومه من قبل "الاطار التنسيقي وايران"، وصل الى حد اطلاق الصواريخ الباليستية على أربيل عاصمة إقليم كردستان وإصدار قرار من المحكمة "المسيسة" بعدم دستورية قانون النفط والغاز الذي صوت عليه البرلمان الكردي عام 2007، وهذه الخطوة تعتبر اكبر ضربة للاقتصاد الكردي الذي يعاني أصلا من حصار جائر فرضته الحكومات العراقية علي الإقليم منذ 2014، وكذلك الامر بالنسبة لحليفه الاخر "الحلبوسي" الذي تعرض لضغوط سياسية هائلة من خلال اطلاق سراح خصومه السياسيين وتبرئة ساحتهم من التهم الكبيرة المنسوبة لاضعاف دوره في قيادة المكون السني، تمهيدا لازاحته من العملية السياسية!

جرى كل ذلك وهو معتكف وغير آبه بما يحدث لشركائه! ولم تكد تنتهي مدة اعتكافه حتى اعلن عن ذهابه الى المعارضة السياسية ما دام لا يستطيع تشكيل حكومة الأغلبية! وهذا القرار أيضا اتخذه من جانب واحد دون استشارة حليفيه!

ورغم موقفه في الدفاع عن شركائه (فاننا لن نسمح لاحد كائنا من كان ان يهدد شركائنا) فانه وقف موقف المتفرج غير آبه لما يحدث لشركائه السياسيين وتركهم لمصيرهم!

وقد يفاجيء العالم غدا بقرار انسحابه من الحلف الثلاثي وتشكيل حكومة "اغلبية شيعية!" مع خصومه الاطاريين وهذا امر وارد ومتوقع من سيد "الحنانة!".