المتابع لإعلان الشراكة الصناعية الإماراتية الأردنية المصرية قد يعتقد أن الموضوع اقتصادي يتعلق بسعي الدول الثلاث للاستفادة من الإمكانات المتوفرة لدى كل منها، وهذا صحيح بشكل جزئي، إلا أن هذه الشراكة هي نتيجة لما هو أعمق من مجرد التعاون الاقتصادي.

حراك الدول الثلاث خلال الفترة الأخيرة يشكل في مضمونه استجابة عربية للمتغيرات الدولية وخاصة طريقة تعامل الدول الكبرى مع قضايا المنطقة، فالحراك العربي خرج من دائرة ردود الفعل ليدخل إلى دائرة الفعل المبادر القادر على وضع رؤية للمنطقة تضمن مصالح دولها وشعوبها.

ما يجري من لقاءات واجتماعات متكررة بين قادة ومسؤولي الدول الثلاث يؤكد أن هذه الدول على قناعة تامة بأن استمرار آلية التعاطي مع المستجدات الدولية والإقليمية بذات النهج السابق ستكون عواقبه سلبية ووخيمة على مجمل دول المنطقة، مما يحتم المبادرة لإيجاد حلول ذاتية وعدم انتظار التوجهات الدولية ومحاولة التعامل معها لاحقاً، وهذا ما أكده العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة في مقابلة مع معهد هوفر حيث قال "تم البحث مع قادة عرب أهمية إيجاد الحلول الذاتية للمشاكل التي يعاني منها الإقليم وتحمل عبئها الثقيل، بدلا من الذهاب إلى الولايات المتحدة لحل القضايا العالقة".

الدول العربية الثلاث والتي من المفترض أن رؤيتها وقناعاتها تنسجم إلى حد ما مع المملكة العربية السعودية وبعض الدول الخليجية والعراق مؤهلة لوضع أساس صلب لتكامل وتعاون عربي قادر على التأثير في الساحة الدولية، والخروج بمبادرات وتصورات للتعامل مع أزمات الإقليم ووضع الحلول المناسبة لها بما يضمن مستقبلها وفقاً لرؤية المنطقة وشعوبها.

الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والذي يمتلك رؤية واضحة المعالم تقوم على تعزيز الازدهار والتنمية لترسيخ استقرار المنطقة وضمان أمنها، حدد خلال لقائه برئيسي وزراء الأردن ومصر الأسس الرئيسية للشراكة الصناعية الثلاثية ومن أبرزها تقوية الاستجابة للتحديات المشتركة والأزمات العالمية وتوسيع الاعتماد على الذات خاصة في القطاعات الحيوية ذات الصلة بالأمن الوطني مثل الغذاء والصحة والطاقة والصناعة وغيرها، وهي قطاعات برزت أهميتها الكبرى بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، فضمان سلاسل التوريد باتت لاعباً رئيسياً في سياسات الدول وتوجهاتها، وهنا يُبرز المفهوم الأوسع لهذه الشراكة وهو الاعتماد على الذات وبناء قاعدة عربية قادرة على مواجهة التحديات والتقلبات العالمية.

ولعل ما يميز الحراك الثلاثي للدول العربية هذه المرة أنه تعامل مع آليات التعاون بشكل عملي وواقعي، بحيث لم تبقى في إطارها السياسي، بل امتدت إلى التكامل الاقتصادي، والذي يشكل الرافعة الحقيقية لنجاح أي محور يريد أن يكون أكثر تأثيراً وعمقاً وقدرة على مواجهة المعطيات والمتغيرات على الساحتين العالمية والإقليمية.

الخروج من دائرة التنسيق السياسي البحت إلى ربط اقتصادات الدول العربية مع بعضها البعض يشكل في مضمونه أداة فاعلة لسد الثغرات التي واجهت العديد من التحالفات العربية السابقة، فكلما كانت الفوائد الاقتصادية متعاظمة ولها انعكاسات إيجابية على دول وشعوب المنطقة كانت التحالفات أقدر على التأثير والاستمرار والابتعاد عن سمة "الموسمية" التي صبغت الكثير من التحالفات السابقة.

بالمحصلة فإن الخطوة العربية الثلاثية تدلل على إدراك عميق لطبيعة التحولات الدولية، ولا يمكن قراءاتها بعيداً عما يجري في العالم، وخاصة فيما يتعلق بالتوجهات الأمريكية إزاء المنطقة واستدارتها منذ عامين تجاه آسيا دون حساب نتائج هذه الاستدارة على حلفائها في المنطقة، وما يحدث يمثل استجابة قوية وعملية للمتغيرات الدولية، وقناعة راسخة بضرورة أخذ زمام المبادرة وعدم انتظار ما ستسفر عنه حالة تجاذب الأقطاب التي تميز المشهد الدولي في المرحلة الراهنة.