عرض يوم الاثنين الماضي المصادف 30 / 5 / 2022 التلفزيون الدانماركي ، قناة (دي أر ـ DR )(1 )برنامجاً وثائقياً خطيراً بعنوان ( الحملات اللولبية ـ Spiral Kampagner ) ، والتي أجرت تحقيقات صحفية من داخل الدولة الدانماركية حول سلوك بتفويض من الدولة يظهر نزوعاً إلى انتهاكات فضيعة ومخيفة بحق (الشعب الجرينلاندي)( 2 ) اواسط الستينات من القرن الماضي.

وشمل ذلك إلحاق أذى متعمد بنساء وفتيات جزيرة جرينلاند من خلال منعهن قسراً من ولادة مواليد جدد ، وبضمنها استخدام (اللولب النحاسي الرحمي ـ para Garg)(3 ) والإعقام القسري للنساء والفتيات دون السن القانوني وبدون موافقة عائلاتهن ( بحجة تنظيم النسل على المدى الطويل ـ منع الحمل ) . والتي تعتبر جريمة بشعة وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان وكرامة المرأة .

وأفادت دراسة دانماركية حديثة أن ما يقارب من 9000 شخصاً، من نساء وحتى الفتيات اللاتي تراوحت أعمارهن بين 12 و 14 سنة ، خضعوا لعمليات تعقيم اجبارية ( قسرية ) استهدف ذوي الأصل الجرينلاندي بشكل واضح في الأعوام بين 1966 و1970.

و جرى أثناء الفلم الوثائقي مقابلة مع عدد من الضحايا الذين تحدثوا عن الجريمة وتأثيراتها الصحية والنفسية الناجمة عنها والتي ارتكبت بحقهم من قبل الدولة الدانماركية . ومنهم الضحية ( Najas ) حيث تعرضت لجريمة التعقيم الاجباري عندما كانت في الرابعة عشر من عمرها دون موافقتها وموافقة عائلتها ، والضحية ( Elisibangguak ) والتي تحدثت عن الامها ( النفسية والجسدية ) بعد ان تعرضت للتعقيم القسري دون موافقتها .

ومن الجدير بالذكر ان قسم من ضحايا جريمة ( الحملة اللولبية القسرية ) تعرضوا إلى استئصال المبيض دون موافقتهم وعلمهم .

نعم .. لقد تعرضت نساء وفتيات جزيرة جرينلاند لإجراءات قمعية ممنهجة من قبل الدولة الدنماركية التي منعتهن قسراً من التكاثر، بشكل مؤقت أو دائم من خلال (زرع لولب في أرحامهن من دون موافقتهن أو عبر إزالة أرحامهن بالإجبار)، ومثل هذه الأفعال تشكل بوضوح نوعاً من فعل الإبادة بموجب القانون الدولي ، وخاصة ان معظم العمليات الجراحية تم بالإكراه . حسب شهادات الضحايا .

جريمة تحديد النسل بالإكراه :

يعتبر تحديد النسل بالإكراه جريمة بحق الإنسانية , وتكريساً للعنصرية ضد فئة معينة منعاً من تكاثرها أو للقضاء عليها على مر العود . وعليه تُعرف الأممم المتحدة الإبادة الجماعية ،بانها الرغبة في إبادة جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية كلياً أو جزئياً ، من خلال اعتماد تدابير تهدف إلى منع التكاثر داخل المجموعة .

وحسب قرار (الجمعية العامة للأمم المتحدة 260 ألف (د-3) المؤرخ في 9 كانون الأول 1948 / تاريخ بدء النفاذ: 12 كانون الأول 1951، وفقا لأحكام المادة 13 )(4 ) ، تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه :
1 ـ قتل أعضاء من الجماعة.
2 ـ إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
3 ـ إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
4 ـ فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
5 ـ نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلي جماعة أخري.

و بناءً على هذه الأدلة التي رأيناها ، إضافة إلى شهادات ضحايا جريمة ( الحملة اللولبية القسرية ) الممنهجة ، سنصل إلى حقيقة مفادها : أن الأفعال التي قامت بها الحكومة الدانماركية ضد شعب الجرينلاندي في اواسط الستينات ، ترقى إلى أن تكون جرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة ، وتجاهلاً مطلقاً لقدسية حياة الإنسان وكرامته في دولة تدعي انها تدافع عن حقوق الانسان وكرامته .

من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!

ان هذه الجريمة البشعة بحق المواطن الجرينلاندي تكشف زيف وادعاءات الدولة الدانماركية ومنظمات حقوق الإنسان , التي طالما تغنت بحمايتها للأبرياء ، ودفاعها عن حقوق الأنسان ، من إنتهاكات ـ والتي تشكل جريمة ( الحملة اللولبية القسرية ) التي ارتكبت بحق الابرياء مع سبق الاصرار والترصد إنتهاكاً صارخاً لكل ما تبقى للإنسان من قيمة حقوقية .

اخيراً ، اُذكرالحكومة الدانماركية و المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية في الدانمارك وخارجها ، بهذه الجريمة الشنيعة والممنهجة والتي لاتمت للإنسانية بصلة , ونطالب بفتح ملفات تحقيقية ومحاسبة المتورطين فيها ونيلهم العقاب المستحق والعادل ، كما نطالب برد الاعتبار لضحايا ( الحملة اللولبية القسرية ) الممنهجة واعتبارها فعل من افعال جريمة الإبادة الجماعية .

كل التضامن مع ضحايا جريمة الإبادة الجماعية اينما يكونوا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ دي أر ـ DR – Danmarks Radio ، هي هيئة الإذاعة الوطنية الدانماركية ، تأسست عام 1925 ، تُمؤل الهيئة بواسطة ضريبة مفروضة على المواطنيين الدانماركيين الذين يملكون جهاز راديو أو تلفزيون أو حاسوب قادر على إستقبال البث الرقمي لدى ( دي أر ).

2 ـ جزيرة جرينلاند / عاصمتها نوك (Nuuk) : تعني بالجرينلاندية ( أرض الناس ) ،وبالدنماركية ( الأرض الخصراء ) ، وهي اكبر جزيرة في العالم، إذ تبلغ مساحة أراضيها 2.166.000 كم² .يتالف المجتمع السكاني فيها من مجموعات عرقية كالأسكيمو ، وكالإينويت ، والدانماركيين .

في عام 1979 منحتها الدانمارك الحكم الذاتي ، وفي عام 2008 صوت سكان جرينلاند لصالح قانون الحكم الذاتي ، الذي نقل المزيد من السلطة من الحكومة الدانماركية إلى حكومة جرينرند المحلية . وفي إطار الهيكل الجديد، تولت جرينلاند تدريجيًا مسؤولية حفظ الأمن والنظام القضائي وقانون الشركات والمحاسبة والتدقيق وأنشطة الموارد المعدنية والطيران وقانون الأهلية القانونية وقانون الأسرة وقانون الخلافة والأجانب ومراقبة الحدود وبيئة العمل والتنظيم والرقابة المالية. ولا تزال الحكومة الدنماركية تحتفظ بالسيطرة على السياسة النقدية والشؤون الخارجية بما في ذلك الدفاع. أغلب سكان جرينلاند هم من أتباع الدين المسيحي البروتستانتي اللوثري ، منذ إعلان الاستقلال الذاتي تستخدم اللغة جرينلاندية واللغة الدانماركية كلغة رسمية في المكلاتب الإدارية والشؤون الرسمية . يعتمد اقتصاد جرينلاند كثيراً على صادرات الأسماك ومشتقاتها .

3 ـ اللولب النحاسي الرحمي ـ Para Gard :هو جهاز لولب رحمي يمكنه تنظيم النسل على المدى الطويل ، والجهاز عبارة عن إطار بلاستيكي على شكل حرف ( T ) يدخل في الرحم ، ينتج السلك النحاسي الملتف حول الجهاز تفاعلا إلتهابياً ساماً للحيوانات المنوية والبويضات ـ مما يمنع الحمل .

4 ـ نص اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها