يقول نيلسون مانديلا أنه "لا أحد منا يمكن أن يحقق النجاح بأن يعمل لوحده"، وهذا ما ينسحب تحديداً على العمل السياسي والإدارة العامة، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها لمن يريد فعلاً أن يجد حلولاً للمشاكل والتحديات التي تواجه أي دولة.

الرئيس التونسي قيس سعيد يواصل هواية العزف المنفرد، عبر الابتعاد عن كافة أطراف العمل العام، فالجميع في نظره يضعون العصي في دواليب العملية الإصلاحية التي يقودها، والغالبية متهمة بمحاباتها للفاسدين، ومعظم الأطراف لها مصالح مع جهات خارجية أو مع النظام السابق.

قيس سعيد يبدو أنه في نهاية الأمر سيجلس على رأس طاولة ويحاور الكراسي الفارغة المحيطة بها، فالأحزاب السياسية تنفض عنه أولاً بأول، والاتحاد العام للشغل يبتعد عن مساحات الحوار معه، والسلطة القضائية بدأت تنفر من قراراته وتدخلاته في عملها، إلى الحد الذي لم يبقى معه طرف يلبي متطلبات الرئيس لخوض الحوار معه.

ولعل السؤال المُلح في حالة تونس هو ما الذي يريده الرئيس؟ وإلى أين يريد أن يصل؟ وهل فعلاً الرجل قادر على محاربة الجميع وتحقيق ما يريده، أم أن هناك مَن يستغل قلة خبرته وزجه في متاهات محاربة الجميع إلى الدرجة التي يسقط فيها دون أن يأسف عليه أحد؟.

التونسيون خرجوا للشارع وانتفضوا على الوضع السابق نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة وتراجع الخدمات المقدمة، وهدفهم أولاً وأخيراً كان تغيير الأحوال وتخفيف الضغوط عن كاهلهم، فما الذي تغير بعد كل هذا؟، فالأوضاع زادت سوءاً والاقتصاد يترنح تحت وطأة الأوضاع السياسية غير المستقرة، والرئيس يغني على ليلاه، فهو مشغول بالدستور والحوار المنفرد وتصميم رئاسة على مقاس خاص به، فيما الشعب وبعد عقد من الإطاحة بزين العابدين بن علي (لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن).

الرئيس التونسي أمام استحقاق شعبي، فإما أن يراجع مواقفه وممارسته الانفرادية ويحاول خلق قاعدة سياسية جديدة مكتملة الأركان للبدء بعملية إصلاح اقتصادي يخفف من معاناة الناس، أو يواصل طريقته في الحكم، وعندها لن يرحمه التاريخ باعتباره الرئيس الذي حطم أحلام شعب بأكمله.