حدث اجتياح الصدر زعيم التيار الصدري للبرلمان العراقى والاعتصام فيه لم يكن حدثاً مفاجئاً بذاته، فالأجواء السياسية ملتهبة بالأزمات المتلاحقة وسيناريوهات التصعيد واردة طوال الوقت في العراق.
لكن في المقابل التصعيد المضاد من قبل الإطار التنسيقى للقوى والأحزاب الشيعية الأخرى والمترتبطة بـ إيران إلى حافة الصدام وارداً هو الآخر، فالمصالح والولاءات تتناقض، وطموح إيران للهيمنة بشكل كبير على العراق من خلال الإطار التنسيقي.
كما ان الصدر يرفض فتح أي قنوات تواصل مباشرة مع قادة الإطار التنسيقي، وهو مصر على موقفه في حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة خلال سنة واحدة من الآن، على أن تجري العملية الانتخابية بإشراف حكومة مصطفى الكاظمي، وهذا ما يجعل الإطار التنسيقي يتمسك اكثر بمرشحه محمد شياع السوداني.
أن قوى الإطار تدرك جيداً أنه حتى لو غيرت السوداني فالأزمة السياسية لن تُحل، والتيار الصدري يعارض فكرة قيام الإطاربتشكيل أي حكومة، ولهذا قوى الإطار متمسكة بمرشحها لرئاسة الوزراء وحراك تشكيل الحكومة مازال مستمراً، لا ننسى انالأزمة تكمن في عدم وجود ضامن لأي اتفاق مع قوى الإطار التنسيقي، خصوصاً مع تاريخ غير مريح من الاتفاقيات والتفاهمات التي تنصل منها أعضاء هذا التحالف سابقاً.
أن إجراء الانتخابات يتطلب حواراً يجمع كل الأطراف السياسية لمناقشة الاستعدادات لهذه العملية فهي تحتاج إلى وقت ومخصصات مالية كبيرة في ظل الوضع المالي المتردي للبلد، كما تحتاج إلى استقرار سياسي حتى تجري العملية الانتخابية بشكل عادل ونزيهة، بعيداً عن أي تهديدات وتدخلات خارجية ودولية.
حتى لحظة كتابة المقال، لا توجد أي بوادر لحل الأزمة السياسية بسبب تمسك الصدر بموقفه وكذلك تمسك الإطار التنسيقي بموقفه، وهناك مساع مستمرة للوصول إلى حلول في الأيام المقبلة، بعد بدء وساطات لحل الأزمة من قبل أطراف صديقة للطرفين، بالإضافة إلى الأمم المتحدة في العراق عن طريق ممثلتها جنين بلاسخارت.
ويعرف بالصدر انه لا يثبت على رأي، ينتقل بمواقفه من طرف إلى آخر، وليس له استراتيجية ثابتة وواضحة ورغم أن مقتدى الصدر زعيم لشريحة كبيرة في المجتمع العراقي، إلا أنه لم يصل إلى مرحلة الاجتهاد التي تخول له منافسة المرجعيات الدينية والتصدي لها وعلى اثر ذلك تخبط في السياسة وارهق تبعيتة معه.
الاهم من كل ذلك، هو قبل الذهاب لإجراء الانتخابات وحل البرلمان، يجب تعديل قانون الانتخابات، وإجراء تغييرات مهمة في مفوضية الانتخابات الحالية، لأن القانون والمفوضية الحالية كانا سبباً رئيسياً للأزمة الحالية، وهذه الإجراءات تمثل شروطاً لقوى الإطار التنسيقي وقوى أخرى خارجها، من دون تحقيق هذه التعديلات لا يمكن الذهاب نحو انتخابات برلمانية مبكرة جديدة، فهذا يعني تكراراً للأزمة وتفاقمها، ولهذا يجب مناقشة هذه الشروط مباشرة مع القوى السياسية كافة، بما في ذلك التيار الصدري، للوصول إلى اتفاق، وهذه الشروط يجب ان تتفق مع القانون والدستور، ولا يمكن إجراء انتخابات من قبل حكومةناقصة للصلاحيات.
الإطار التنسيقي يحاول حلّ الأزمة السياسية بالحوار والتفاهم مع جميع القوى السياسية، وذلك من خلال محاولاته في الحوار والتفاهم مع مقتدى الصدر من اجل تمرير مرشحه السوداني ولو على اقل تقدير لعام واحد، ليثبت لجمهوره انه انتصر، المطالب الآن هي حلّ مجلس النواب، وهذا الأمر لا يتمّ إلا بتحاور الكتل السياسية لأن الكتل هي من ستقوم بحل البرلمان، لكن جميع القوى السياسية في العراق ترى ان مصلحتها اهم من كل شيء وهذا ما جعل الازمة في طريق مسدود.
ان اغلب زعماء الإطار التنسيقي قبلوا مطلب إعادة الانتخابات المطروح من قبل الصدر، باستثناء نوري المالكي، الخصم اللدود لزعيم التيار الصدري، الذي قد يرى في الذهاب إلى خيار حلّ البرلمان مقدمة لنهاية سياسية، لان المالكي يعرف جيداً ان الصدر سيحرص على تحصيل إدانة لما جاء في التسريبات الصوتية للمالكي، تمهيدًا ربما ل اجتثاث ائتلافه قبل التوجه إلى الانتخابات الجديدة، كشرط لازم لقبول أي اتفاق سياسي مع الكتل الشيعية، وهذا جعل المالكي متمسكاً بمرشح الإطار.
وتشهد العملية السياسية في العراق منذ إعلان نتائج الانتخابات في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2021، انسداداً خانقاً تصاعدت ذروته عند تحالف الكتلة الصدرية مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وتحالف السيادة، ومن ثم عند عقد مجلس النواب جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية الذي بدوره يكلف الكتلة النيابية الأكبر عدداً لتشكيل الحكومة، وتصاعدت أكثر بعد تقديم نواب الكتلة الصدرية البالغ عددهم 73 نائباً استقالاتهم من مجلس النواب بناءً على رغبة مقتدى الصدر، لتتأزم مؤخراً باقتحام أنصار التيار الصدري للمنطقة الخضراء ومبنى مجلس النواب وإعلانهم اعتصاماً مفتوحاً من هناك لحين تحقيق مطالبهم المتمثلة بتسليم زمام الأمور وتشكيل الحكومة لزعيمهم مقتدى الصدر.
التعليقات