لماذا تستمر قطر على إعطاء جرعات المسكنات لقطاع غزة في حين أنه بإمكانها أن تتجه إلى المساعدة في بناء تنمية حقيقة، بإعادة فتح المصانع المغلقة لتشغيل ألاف العاطلين عن العمل، بدل صرف منحة قد لا تصل إلى جميع المحتاجين ولا تحل المشاكل الاقتصادية التي تغوص فيها العائلات والقطاع بأكمله؟ وهل بإمكان قطر استعمال قنواتها الديبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الاحتلال من أجل فك الحصار المفروض مقابل ضمانات الترتيب لهدنة طويلة الأمد بين حماس والاحتلال، تكون فيها الأولوية لبعث الحياة مجددا في غزة ولتقريب المسافة بين سلطة رام الله وسلطة غزة؟ أليست قطر قادرة على أن تكون وسيط فعال في ملف المصالحة؟ أم أن الهدف الرئيسي من دعم قطر لغزة هو إبقاء الوضع على ما هو عليه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟
من المتوقع أن يصل رئيس لجنة إعادة إعمار غزة السفير القطري محمد العمادي إلى غزة غدا يوم الإثنين في زيارة لمتابعة المشاريع القطرية بالإضافة إلى متابعة آخر المستجدات في المشاريع القطرية التي تهدف إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية، وترعى لجنة الإعمار 25 مشروعا يتم فيها إعادة جزء من البنية التحتية المدمرة من التصعيد الذي حصل العام الماضي، ويقول العمادي أن المشاريع تسير في نسق ايجابي كما تعهد بإزالة أثار كل ما خلفه الدمار الذي حصل أثناء المواجهة الأخيرة الشهر الماضي، ولكن لم يتم التطرق للمشروع القديم الجديد الذي تعهدت به قطر وهو إعادة بعث المنطقة الصناعية التي لم يتبقى منها إلا اسمها حيث عجزت أغلب الشركات على تحمل مخلفات الحصار الاقتصادي ونقص المواد الأولوية لينتهي بها الأمر إلى الاغلاق وتشريد مئات العاملين الذين تحولوا إما لتجارة البسطات او لجأوا إلى دولة الاحتلال للعمل.
تحتاج عملية الإعمار إلى جو من الإستقرار الأمني والسياسي حتى تصل إلى مبتغاها، وللأسف لا تتوفر غزة على هذين العاملين الأساسيين في نجاح الدور القطري في غزة، ففي الوقت الذي يتم فيه إعمار منزل مدمر يتم قصف منزل آخر، وكأن قطر تدور في حلقة مفرغة تجعل ما ترصده للإعمار مجرد فاتورة دمار أو ضريبة التصعيد يتكرر دفعها بعد كل مواجهة تحدث وتصبح الغاية منها العودة إلى نقطة الصفر بدل الانطلاق إلى الأمام : من المنطقي جدا أن يبنى الإعمار على أرضية صلبة مادتها الأساسية ''الاستقرار الأمني'' وإلا فإن الاستمرار في ضخ الأموال لن تكون له نتيجة ملموسة على أرض الواقع.
يمكن لقطر أن تستثمر في علاقاتها القوية مع إدارة بايدن او تعمل بالموازاة مع جهود الاعمار في رفع التجميد على المساعدات الدولية التي كانت تصل إلى غزة بعد أن اطبق الإحتلال حصاره عليها : تملك قطر وزنا ثقيلا في معادلة الشرق الأوسط وبامكانها توظيف هذا الوزن في تسويق صورة معتدلة عن حماس وحثها على تجنب التصعيد وتقديم ضمانات فعلية من شأنها أن تعيد الثقة ولكن المشكلة العويصة التي يمكن ان تواجه قطر هي تداخل سياسية حماس والجهاد مع أجندات ايرانية تذهب في بغزة إلى طريق مسدود و تجعل إعادة النظر في تصنيفها أمرا صعبا للغاية.
ومن هذا المنطلق لا يمكن أن يتم تصور غزة مغايرة لوضعها الحالي في ظل الانقسام الفلسطيني والواجب يقتضي من قطر أن تعالج مشاكل غزة بدأ بمعالجتها للمشاكل مع رام الله : اذا أرادت قطر فعلا حل مشاكل الغزيين فلتطرق باب السلطة الفلسطينية ولتبحث عن مخرج لحماس لورطتها في حكم القطاع لأن وجودها منذ 2007 تأكد انه لم يساهم فقط في اضعاف البيت الفلسطيني بل ساهم بشكل كبير في اضعاف وتقسيم الصف العربي الداعم للقضية الفلسطينية، كما أن الخلاف القائم بين فتح وحماس كان له أثره الكبير على الصعيد الاقتصادي اذ توقفت رواتب الناس وأصبحت حاملو الشهادات الجامعية بشهادات لا تسمن ولا تغني من جوع، كما ان موضوع ادخال الحقائب المالية لغزة تعثر كثيرا بسبب رفض السلطة الفلسطينية الزج بها في عملية قد تتضرر منها البنوك التابعة للسلطة وهذا ما سبب تعطيلا للعديد من المساعدات التي كان من شأنها تخفيف المعاناة التي يشعر بها أهل غزة، هنا نصل إلى نتيجة منطقية : أنه لا مكان لتنمية ولا لمشاريع اقتصادية فعالة من دون اشراك السلطة الفلسطينية في مشروع قطر، ولكي تصل قطر إلى ذلك ينبغي أن تواجه حماس بالحقيقة وان تضعها في حجم حركة لا في حجم سلطة قادرة على إدارة شؤون القطاع....
يؤسفنا القول بأنه ورغم الدعم المالي القطري فإن حال غزة لن يتغير بل سيستمر من السيئ إلى الأسوأ، ذلك لأن معالجة الأمور لا تتم في الاتجاه الصحيح، وستستمر قطر في تقديم المسكنات وهي تدرك أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج ولكن لنرى هل تغير موقفها من حماس في حال ما أعلنها أردوغان علانية بالطلاق مع حماس وإخوان مصر أم ستسمر في دعم التيار الإخواني وحيدة ومن دون أي فائدة.... سؤال ستجاوبنا عنه الأحداث القادمة.
التعليقات