في ساعة متأخرة من كل ليلة، يلجأ إلى غرفته الصغيرة، بعد أن يكون قد أعد فنجان قهوته العربية مصحوباً بحبّات الهال المطحون الذي يقوم بتحضيره بنفسه على نار هادئة، والعودة إلى غرفته حاملاً فنجان القهوة وقلم الحبر السائل ودفتره وأوراقه ونظارته الطبية، إلى جانب موبايله الذي يصغي من خلاله إلى مطربة الشعب، طيّب الله ثراها، أم كلثوم والاستماع إلى أغانيها الخالدة، وإن كان مجمل ما صدحت به قبل مفارقتها الحياة ظلّ يميّزها عن بقية الفنانين العمالقة البقية الذين ما زال قسم كبير منهم، وإلى اليوم، يشغل مكاناً يوازي إن لم نقل يفوق كوكب الشرق!.

في مثل هذه الساعة من الليل يمسك بقلمه ويحاول اختيار الموضوع المناسب الذي يمكن التطرّق إليه، واستمراره في الكتابة ورغبته الشديدة إليها يدفعانه إلى البقاء ساعات وراء طاولته وكرسيّه الخشبي متأملاً في الوقوف على كتابة مادة صحافية ترضي القرّاء وتروق لهم وترضيهم، وعلى أن تكون لها علاقة بالناس تمسّ حياتهم، وتقف على معاناتهم وترصد مشكلاتهم، ومنها ما هو اجتماعي، وهذا أكثر ما يحاول الوقوف عنده والاهتمام به، لأنه يهم شريحة كبيرة من الناس.
شوقه للكتابة، ورغبته في القراءة يدفعانه إلى قضاء المزيد من الوقت في غرفته، إلى ما بعد ساعة متأخرة من بعد منتصف الليل، وفي أحايين كثيرة يفيق قبل شروق الشمس بساعتين وأكثر ويركن إلى كتابة ما تشتهي نفسه.
الكتابة تظل بالنسبة له فيها الكثير من المتعة والرغبة لكسر حاجز الصمت الذي يخيم عليه. رغبة لا تعدلها أو تفوقها متعة أخرى، وهو لا يُلزم نفسه بها أو يجبرها على ذلك. لا. بل يتركها على سجيتها، وهذا ما يزيد في الرغبة إليها أكثر.
الرغبة المدفوعة بالأمل لجهة تحقيق المستحيل، وخلق الابداع، وطرح الموضوع الذي يرغب فيه، وتقدمته للقارئ على طبق من ذهب ورغبة شديدة لا يوازيها حب وعشق آخر.
فرحته لا تكتمل إلّا بعد أن يكون قد أنتهى من كتابة موضوع ما، وهذا ما يزيده حُبّاً وشوقاً له، وما يزيد من تجديد نشاطه وهمّته ورغبته للمرة الثانية والعاشرة.

الرغبة تحتّم عليّه تناول مادة صحافية أخرى وأخرى، وهكذا دواليك، إلى أن ينتهي من كتابة ما تشتهي نفسه، وبعد ذلك يحمل أوراقه وما لديّه والتوجّه إلى جهاز الكومبيوتر، ونقل ما كان كتبه لتقديمه للقارئ، بعد تصحيحه وتدقيقه يقوم بنشره، وهذا ما يقوم به وبشوق ورغبة شديدة، وبدون كلل أو ملل، بل أن ذلك يدفعه إلى المتابعة المستفيضة، وقراءة ما بين يديه من كتب وروايات ومقالات لكتّاب معروفين، فضلاً عن الاطلاع على عدد غير محدود من الصحف العربية الصادرة بصورة يومية، وما تتناوله الدوريات الأسبوعية والشهرية بين دفتيها من مواد وتحقيقات صحافية تستحق الوقوف عندها، فضلاَ بما تخبرنا به المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، على كثرتها، ومتابعة ما يدوّنه ويتناوله الأصدقاء، وغيرها الكثير من الصور التي تزيده تألقاً ورغبة في الاطلاع عليها وقراءتها بصورة مستمرة.. وهذا كله ما يحيج الصحافي إلى العزلة في أحايين كثيرة حتى يتمكن من اختمار فكرته والبوح بما تفيض به قريحته، مكتملة قوامها وصورها، وهذا ما يحاول أغلب الكتاب مواكبة هذا الطقس الذي أصبح جزءاً من حياتهم اليومية.