تهذّبنا تجارب الحياة.. تُقلّبنا أحداثها.. وتلطمنا أمواجها.. وتقرّبنا أكثر من ذواتنا وحقيقتنا وأنفسنا.. نقف كلّ يوم طلابًا في ساحتها ومدرستها… وأحيانًا نقف جنودًا في معركتها.. جنودًا محاربين وشرسين في حرب لا مجال فيها للسلم ولا مجال فيها للهرب!



وقد نقف أحيانًا كذلك مكبّلين أمام صدمات تتالى على مسرحها وفي كثير من الأحيان، نقف مشدوهين مذهولين، تصفعنا الأحداث والمواقف، وتصدمنا المشاهد التي بنينا عليها أوهامنا وأحلامنا … فكانت تلك الأوهام والأحلام والأمانيّ أوّل ما تكسّر أمام أعيننا…


إنّها خسارات كنا نعدها صداقات، وعلاقات كنّا نعدّها طرقاتٍ خالدة وذكرياتٌ بيضاء أبت ضمائرُ أهلها إلا أن تلطّخها في ما بعد بسواد أفعالهم وظنونهم! ليس ثمة ما هو أقسى على النفس من بعض الخيانات …


الخيانات القاتلة، والتي تأتي عن سابقِ إصرارٍ وترصّد وسوء نيّة ذلك النوع من الخيانات الذي يكشف لك وجوهًا لطالما كنت تضعها في خانة الصحبة المقرّبة والطيّبة وفي صندوق خاص جدًا مدونٍ على جانبه: "صندوق القلب"الذي تفتحه كلّما اشتدّت عليك الليالي السود،بينما كانوا هم السواد بعينه وشخصه!


وكلّما كانت ثقتنا بالآخر أكبر، كانت الخيانة أشدّ وقعًا وحدّةً على النفس، وكأنّها سكّين مسنون ومسموم، يغرز في الصدر فتشتدّ حرارة الألم ويصير الأحمر القاني درسًا يعلّمنا ألا نسلّم أعناقنا ورقابنا وثقتنا إلى من ليسوا أهلًا لها..!



للحياة دروس نعم … ولكن بعض دروسها قاسٍ جدًا..! ولا يعود كلّ شيء بعدها كسابق عهده، حتى الروح من أعماقها تتغيّر..! حيث لا ثقة بالآخرين، ولا اصطفاء بين الأخلاء، ولا أمان بين الأحبة، إذ تُصبحُ روحك تائهة وحائرة وكأنها تهوي في بئرٍ عميقٍ مظلمٍ لا قاع له وتظلّ روحك تهوي وتهوي …


بعض المواقف تكسر في دواخلنا أشياء كثيرة يستحيل بعدها استعادة فطرتها الأولى ونقائها العفويّ الذي كانت عليه! وقد يفوتُ الخائنَ أن للخيانة لعنةً تلاحق صاحبها حتى توقعه في شرّ أعماله!


رحم الله الإمام الشافعي حين قال : جزى اللهُ الشَّدَائِدَ كُل خيرٍ وَإنْ كانت تُغصِّصُنِي بِرِيقِي وما شُكْرِي لهَا حمْدًا وَلَكِن عرفتُ بها عدوّي من صديقي.