قصة سالي حافظ تراجيديا عربية بامتياز، هي ليست مجرد جنون أنثوي خارج النص، وليست لحظة "طيش" أرادت الفتاة من خلالها لفت الانتباه والتعبير عن ذاتها على طريقة أفلام "الأكشن"، بل هي أقسى لحظات القهر التي تدفع مواطناً إلى مواجهة الدولة وحيداً دون أن يفكر بعواقب أفعاله.
هي لحظة بؤس رفعت الغطاء عن مرجل يغلي بنار الفقر والتهميش وقلة الحيلة، ولحظة كُفر أكبر بكل ما تعنيه الدولة من سُلطة ومسؤولية وقدرة على حماية الناس وحقوقهم، وهي قبل هذا وذاك موقف يؤكد أن لا صوت يعلو فوق صوت القهر الممزوج بضيق الحال والغضب المتأجج في صدور الناس اللذين تبخرت مدخراتهم امام أعينهم دون ان تحرك الدولة ساكناً.
تسمية الأمور بغير مسمياتها لن تجدي نفعاً، فالقصة ليست قصة فتاة خرجت عن طورها، بل قضية وطن يسير نحو الجحيم باعتراف رئيسه ميشال عون الذي اختصر القصة بقوله «رايحين على جهنم»، نعم إلى جهنم وهل هناك أقسى من عيش حياة الفقر والقلة؟ في الوقت الذي تبخرت فيه الأموال والمدخرات دون أن يدري أحد مَن أخذها وإلى أين ذهبت ومتى سترد إلى أصحابها؟!.
ما قامت به سالي حافظ وقبلها شرف الدين سيختصر الطريق إلى جهنم، فمن يضمن ألا يصبح السلاح بديلاً للشيكات لصرف أموال الناس، ومَن يضمن ألا تنقلب الأمور إلى مرحلة يصبح كل شخص فيها عبارة عن دولة لديه كل مفردات القوة لتحصيل حقوقه أو السطو على حقوق غيره، ليصبح لبنان دولة فاشلة بشكل رسمي.
صرخة سالي حافظ عرت كل أصحاب شعارات الممانعة والمحاصصة والمُصاهرة وعشاق الكراسي المتقربين إلى آلهة السلطة وشهوة المنصب بأرواح الناس وحياتهم وحاضرهم ومستقبلهم، فعندما تصبح الدولة عاجزة والمكونات السياسية ليست أكثر من دكاكين شخصية وأجندات خارجية يصبح الوطن "حارة كل من إيده إله"، ويدخل الشعب سنوات التيه، فلا حكومة تقوم على شؤونه ولا قانون يحمي حقوقه، ولا ساسة تعنيهم معاناة الناس وأحوالهم، فالكل مشغول بمعطياته وطموحاته وتعليماته القادمة من خارج الحدود، فيما اللبناني تنهشه أنياب الفقر التي حفرت عميقاً في جدران روحه قبل جسده.
قصة سالي حافظ باختصار حكاية لبنان والعراق واليمن وحكاية التبعية التي دمرت دولاً كانت يوماً ما منارات للاقتصاد والعلم والثقافة فأصبحت أوكاراً للفشل والتراجع والتدمير الذاتي لإرضاء شخص ما يجلس في زاوية ما ويحلم بأن يكون يوماً شيئاً ما.