ونحن نحتفل بالذكرى 92 لمرور اليوم الوطني لتوحيد المملكة العربية السعودية الذي اكتملت مسيرته خلال ثلاثين سنة حيث بدأ الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل طيب الله ثراه – مسيرة اكتمال تأسيس الدولة السعودية الثالثة منذ فتح الرياض في العام 1902 مع مفتتح القرن العشرين، هي مسيرة توحيد شارك فيها الشعب السعودي كله ممثلاً في قبائل الجزيرة العربية التي التفت حول قائدها الحازم الحكيم الملك عبد العزيز، ومضت معه جنباً إلى جنب تحت قيادته في مشروع اكتمال التأسيس بإعلان وحدة البلاد بعد ثلاثين عاماً من فتح الرياض، وهكذا كان يوم 23 سبتمبر من العام 1932 هو يوم إعلان مسمى المملكة العربية السعودية، حيث استأنفت المسيرة انطلاقها بعد الوحدة نحو البناء على قاعدة التوحيد والوحدة. لقد كان مشروع الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – مشروعاً تركز منذ البداية على تمكين المواطنين، بتحويل حياتهم نحو بناء الدولة والاستفادة من الامكانات التي توفرها الدولة لهم كمواطنين، لهذا تعين على الملك عبد العزيز، بعد أن أكمل وحدة البلاد تحت عنوان "المملكة العربية السعودية"، بل قبل وأثناء التوحيد، القيام بمشاريع توطين وتجمعات سكانية كبرى للبدو أو ما عرف تاريخياً بـ"الهِجَر" حيث كانت تلك التجربة مشروعاً وطنياً كبيراً عزز الاستقرار الحضري، ودفع بجموع القبائل البدوية إلى تغيير أنماط حياتها والانخراط في حياة جديدة تواكب مشروع وحدة الدولة الحديثة. وواكب ذلك المشروع خطط وتدابير لفرض الأمن بين جميع مدن وقرى وبوادي المملكة حيث كانت قضية الأمن هاجساً عميقاً يقض مضاجع الآمنين، وعلى رأس أولويات تأمين الطرق عمل الملك عبد العزيز على تأمين الحج وفرض هيبة الدولة على كافة السبل لتأمين طرق الحج من كافة المنافذ الحدودية في المملكة. ولا يمكن لأي قراءة تاريخية تتأمل في المشروع الوطني الذي أرساه الملك عبد العزيز أن تغفل العلاقة القوية بين بدايات النهضة التنموية وبين استكمال تأمين الحياة العامة وفرض هيبة الدولة ومظلة الأمن على الجميع.

إن النهضة التي انتظمت المملكة العربية السعودية، لاسيما بعد اكتشاف النفط في نهاية الثلاثينات من القرن العشرين كانت نهضة تمضي بوتيرة هادئة ومنظمة ساهمت فيها المراحل المختلفة لعهود الملوك الذين تولوا الملك بعد وفاة الملك عبد العزيز، ونهجوا على منواله القاصد، فكانت الحقب التالية ابتداءً من حقبة الملك سعود بن عبد العزيز، ثم من بعده الملك فيصل بن عبد العزيز، فالملك خالد بن عبد العزيز مروراً إلى حقبتي الملك فهد بن عبد العزيز والملك عبد الله بن عبد العزيز، ووصولاً إلى هذه الحقبة التي يتولى فيها القيادة الرشيدة للمملكة؛ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، يمكن القول أن كل هذه الحقب بعد تأمين الدولة على يد الملك عبد العزيز، كانت حقباً متجانسة مع بعضها، فلم يشهد فيها انتقال الحكم والسلطة من ملك إلى ملك اضطرابٌ أو فوضى أو قطيعة – كما كان حال كثير من البلدان العربية – وكانت هذه السلاسة في انتقال الملك ضمانة حقيقية لاستمرار الاستقرار والوحدة والنهضة والتقدم المضطرد في مشاريع التغيير ووتائر التنمية المستدامة. وبطبيعة الحال كان لكل حقبة من حقب الملوك أبناء الملك عبد العزيز تحدياتها ورهاناتها، لكن يجمع كافة تلك الحقب خيط جوهري وسلك ناظم هو خدمة المواطن السعودي حيث كانت هذه الخدمة للمواطن السعودي هي حجر الزاوية في مشروع الدولة السعودية وخططها التنموية المستمرة.

هكذا حين ننظر اليوم في مختلف البرامج الوطنية التي تشمل التأهيل وإعادة التأهيل في مختلف وزارات الدولة، من خطط الابتعاث التعليمي، إلى تدريب منسوبي الوزارات إلى تأهيل الكفاءات السعودية في جميع المجالات التي تشملها فضاءات التنمية المستدامة، وبين مختلف القطاعات؛ الشباب والمرأة والطلاب وغيرهم؛ نجد أن التقدم الذي حازته المملكة في مجال تمكين المواطن شهد وتائر متسارعة، وأدرج الخدمات التي يتم تقديمها لذلك المواطن عبر جهاز الدولة العام ضمن تصنيف يتجاوز في معاييره مستوى المنطقة العربية إلى مصاف دول متقدمة.

هذه الانجازات التي ينعم بها المواطن السعودي اليوم هي أمثولة اليوم الوطني وجوهره الذي ينبغي أن يكون بوصلةً دائمة في مؤشرات النهضة الوطنية.
واليوم، تأتي خطة المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني ليحدثا نقلة مختلفةً، ليست على قطيعة مع وتائر النهضة السابقة، ولكنها خطة تواكب عالماً مختلفاً وتحدياتٍ مختلفة وطور جديد انتقل معه العالم إلى مرحلة ما بعد الثورة الصناعية؛ الأمر الذي يقتضي مواكبةً متطورة تشمل التغيير والانفتاح والتفاعل مع مجتمعات العالم على نحوٍ جعل المملكة العربية السعودية اليوم قوة إقليمية كبيرة وكرس لديها تجارب جديدة في خدمة المواطن، ضمن طموح عالمي كبير إلى توطين الصناعات التحويلية واستثمار الامكانات السياحية، والدفع بشرائح مختلفة من مواطني المملكة في سوق العمل وهي كلها رهانات تقتضي ضمن أولوياتها الأساسية؛ تمكين المواطن عبر تقديم خدمة يتجند لها جهاز الدولة العام عبر خطط مرحلية في التنمية المستدامة.

حين نحتقل، في الذكرى الثانية والتسعين بإنجازات اليوم الوطني ونحن نتأمل المسيرة الوطنية الطويلة التي بدأها الملك عبد العزيز منذ فتح الرياض عام 1902 مروراً بتوحيد المملكة في العام 1932 ووصولاً إلى العام 2022 حيث لا نزال نبحر للوصول إلى آفاق وطموحات خطة المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني، سنجد أن كلمة السر التي تربط بين جميع هذه المحطات الوطنية هي: حرص وتفاني وطموح سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان على خدمة المواطن السعودي حيثما كان.

#فضاءـالرأي