تنطلق جميع الشوارع الرئيسية الثلاثة في وسط العاصمة الجزائرية من البريد المركزي، وهو صرح مغاربي جديد يقع فوق خليج المدينة المهيب.
طوال 132 عامًا من الاستعمار الفرنسي، عُرفت الشوارع الرئيسية للعاصمة بأسماء شخصيات فرنسية: شارع ديسلي، بوليفارد ميشليه وشارع سادي كارنو.
بعد الاستقلال، بذلت الحكومات الجزائرية جهودًا مضنية لمحو آثار الحكم الفرنسي.
لذلك اتخذت الشوارع الثلاثة المركزية للجزائر أسماء الثوار: ديدوش مراد مكان ميشليه، وأصبح شارع ديسلي العربي بن مهيدي، وتنازل سعدي كارنوعن مكانه للبطلة الشابة حسيبة بن بوعلي.
بينما لجأ الجزائريون إلى “ديدوش” أو “حسيبة” ، كان الأمر مثيرًا للفضول بالنسبة لي أن غالبية السكان المحليين تمسكوا بتسمية “شارع ديسلي” باسمها الاستعماري.
لا يوجد قافية أو سبب يفسر لماذا تتخذ بعض الأماكن أسماءً جديدة بينما لا يتخذها البعض الآخر - إنه مجرد دليل على أن اللغة هي كائن حي قد لا تتوافق أحيانا مع التسميات الرسمية.
بعد أكثر من نصف قرن من حركات إنهاء الاستعمار الكبرى في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، لا تزال سياسة اللغة ذات صلة.
في الشهر الماضي، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن الجزائر ستنتقل من تدريس الفرنسية إلى الإنجليزية كلغة ثانية في المدارس الابتدائية الحكومية في العام الدراسي المقبل. وقال: “إنها حقيقة أن اللغة الإنجليزية هي اللغة العالمية”.
وبين مؤيد وغير مهتم للقرار، يرفض الخبير اللغوي الجزائري عبد الرزاق دوراري إصدار حكم تقييمي بشأن قرار إعطاء الأولوية للغة الإنجليزية على الفرنسية، إلا أنه يشعر بالقلق إزاء نقص المعلمين المؤهلين في تدريس هذه اللغة والمواد التعليمية.
لكن بين الطبقات العاملة والسياسية في الجزائر، يبدو أن هناك رغبة حقيقية في الابتعاد عن النفوذ السياسي والاقتصادي والثقافي لفرنسا.
ومن الناحية الثقافية، ينجذب الجزائريون في الوقت الحاضر إلى المسلسلات التركية أو خدمات البث الأمريكية مثل Netflix أكثر من البرامج التلفزيونية الفرنسية التقليدية التي انتشرت سابقا ونافست الاعلام المحلي الذي استمر لعقود طويلة في تقديم خدمة إعلامية غير متماشية مع المنافسة الموجودة.
ولم تجدد الجزائر مؤخرًا العقود العامة مع الشركات الفرنسية في قطاعات مثل النقل وإدارة المياه، ومنحتها بدلاً من ذلك إلى الشركات المحلية.
لقد كان التصور العام يعتبر الفرنسية هي اللغة النخبوية للطبقة العليا في بدايات الاستقلال ولكن الثورة الرقمية التي حدثت في أواخر التسعينات أخدت تزيد من أهمية اللغة الإنجليزية وتجعل من تعلمها ضرورة لمواكبة العالم الذي يتخذها لغة المال والأعمال الأولى فضلا عن انها اكتسحت اللغات الأخرى في المجال البحث العلمي بغزارة ما تحتويه شبكة الأنترنت من مراجع مترجمة الى اللغة الإنجليزية، من هنا أصبح لزاما على النخبة في الجزائر أن تسير مع تيار العصر الذي يعتبر لغة شكسبير لغة العالم.
الجزائر والفرنكوفونية
تشارك الجزائر بصورة منتظمة في قمم المنظمة الدولية للفرنكوفونية (OIF) ومقرها بباريس بفرنسا، منذ قمة بيروت (لبنان) في 2002 كضيف خاص.
وكان وزير التعاون الدولي والشؤون الخارجية الجزائري “رمطان لعمامرة” قد مثل الجزائر في جلسات القمة الـ16 للفرانكوفونية بالعاصمة أنتانناريفو بمدغشقر في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 التي عقدت تحت شعار “نمو متقاسم وتنمية مسؤولة: شروط استقرار وفضاء الفرانكوفونية” إلى جانب كل من الرئيس الفرنسي “فرانسوا أولاند” وعدد من دول ورؤساء وحكومات البلدان التي تتقاسم اللغة الفرنسية.
ومقابل هذا الحضور الدائم للجزائر في اجتماعات المنظمة، أصدر مجلس الشيوخ الفرنسي في 4 مارس/أذار الجاري، تقريرا حول مستقبل الفرانكفونية في العالم حمل تساؤلات كثيرة حول بقاء الجزائر خارج المنظمة الدولية للفرنكوفونية.
واعتبر التقرير بقاء الجزائر خارج المنظمة مفارقة في وقت يعتبر فيه هذا البلد ثالث بلد يتحدث اللغة الفرنسية في العالم.
عهد جديد
مع بدء العام الدراسي، أقرت السلطات الجزائرية إدراج اللغة الانجليزية بشكل إجباري، في المناهج الدراسية بدءا من المرحلة الابتدائية.
ووفق الخطة الدراسية الجديدة، فإن تلاميذ المدارس الثانوية سيستمرون هذا العام في تلقي خمس ساعات من تعلم اللغة الفرنسية وثلاث ساعات للغة الإنجليزية في الأسبوع، أما في المدارس الابتدائية، فسيتعلم تلاميذ الصف الثالث مادة اللغة الإنجليزية 90 دقيقة أسبوعياً، بالإضافة إلى خمس ساعات من الفرنسية.
وقد عبر الكثير من المسجلين في معاهد ومدارس خاصة لتعلم أبجديات اللغة الإنجليزية عن تحسُّن مستواهم كثيرا في هذه اللغة، التي اختارها البعض رغبة منه في حفظها للقدرة على التعامل والاتصال مع الأجانب بحكم عمله، فيما فكر آخرون في الهجرة فوجدوا أنها الأنسب للتواصل في كل البلدان التي يتطلعون إلى السفر إليها، أما بعض المراهقين فيريدون من خلالها التعرّف على حسناوات شقراوات من الضفة الأخرى عبر شبكة الانترنت.
ولعل الملاحظ على المقبلين على تعلم اللغة الحية الثانية في الجزائر، هو اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، كما أنهم من مختلف الأعمار، حيث تجد التجار الذين يطمحون للتجارة في الخارج، ولا يتعلق الأمر بالمثقفين فقط بل حتى الذين لم يكملوا تعليمهم المتوسط.
بريطانيا تدعم خطوة الجزائر
استفاد حوالي 3.000 معلم لغة انجليزية في الطور المتوسط و 300 مفتش في الانجليزية منذ سنة 2006 من دورات تكوينية في اطارالتعاون بين الجزائر و المملكة المتحدة
وكانت السفيرة البريطانية بالجزائري السيدة شارون ووردل، قد أشادت بالتعاون القائم بين بلادها والجزائر في مجال التعليم العالي والبحث العلمي والتربية الوطنية مؤكدة بأن الطلبة الجزائريين “يقدمون إضافة خاصة للتنوع الثقافي الموجود ببريطانيا”.
وتابعت السفيرة قائلة “لاحظت توفر اهتمام مشترك بين الطرفين من أجل تطوير التعاون في مجال التعليم والتربية”، لافتة الى أن الجزائر “خطت خطوات كبيرة خلال السنوات الأخيرة بهدف تطوير منظومتيها التربوية وفي قطاع التعليم العالي وفي آجال قصيرة مقارنة بعدد كبير من دول العالم بما فيها بريطانيا”.
التعليقات