فيما يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد حقق أهدافه من الحرب على أوكرانيا، بعد أن أعلن ضم أربعة أقاليم إلى الأراضي الروسية، وهي «لوغانسك، ودونيتسك، زابوريجيا، وخيرسون»، بعد استفتاءات أحادية ندد بها المجتمع الدولي، ومن قبلهم كان بوتين قد ضم شبه جزيرة القرم، ليكون بذلك قد استولى، تقريباً، على ثلث دولة أوكرانيا، في سابقة تعد الأولى من نوعها في العالم، وإن كانت إسرائيل قد سبقت روسيا في هذا الشأن واغتصبت الجولان السورية، ودولة فلسطين التي قام الكيان الصهيوني باحتلال أغلب أراضيها وسط صمت دولي غامض، الأمر الذي يؤكد أن العالم المتقدم، خاصة أوروبا وأمريكا، يكيل بمكيالين وأحياناً ثلاث، حيث أعلنت أمريكا وتابعتها أوروبا الرفض الكلي للاجتياح الروسي لأوكرانيا، وقررت هذه الكتلة الغربية مساعدة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالسلاح والمال، وأوهمته بأنه قادر على هزيمة الجيش الروسي القوي، والذي يعد واحداً من أقوى جيوش العالم، وابتلع زيلينسكي «الطُعم»، ونزل ميدان المعركة بجيشه «المتواضع» لمواجهة الدب الروسي، في معركة خاسرة بالنسبة له قبل أن تبدأ..

هذا الرئيس الأوكراني، الذي اعتلى سلطة البلاد قادماً من على خشبة المسرح كممثل و«مشخصاتي»، لا علاقة له بالسياسة أو إدارة شؤون البلاد كحاكم، ألقى بقواته وشعبه في مرمى النيران الروسية، وصدّق نفسه بأنه يقوم بدور البطولة في هذه المعركة، دون أن يدرى أن إخراج هذه المسرحية الهزلية، تدير دفته أمريكا ودول أوروبا، وقد أسندوا إليه دور الكومبارس ليقوم بحرب ضد الروس بـ«الوكالة»، وتجلس دول الغرب وأمريكا في مقاعد المتفرجين، وهم يشاهدونه وهو يسير بجيشه وشعبه إلى التهلكة..

كانت النتيجة، هروب الملايين من الشعب الأوكراني من ويلات الحرب إلى الدول المجاورة كلاجئين، ليدفع هذا الشعب المسكين نتيجة غباء رئيسه، الذي تلقى وعداً غربياً بالانضمام إلى «حلف الناتو»، لحمايته من الغزو الروسي، لكنه لم يحصد في النهاية سوى أوهام غبائه السياسي، بعد أن سقط في فخ الروس وفقد ثلث أراضي دولته أوكرانيا و70 ٪ من ثرواتها المعدنية والزراعية التي تمتلكها الأقاليم الأربعة، التي قامت روسيا بضمها إلى سيادتها، ليخرج زيلينسكي من هذه الحرب بخسائر فادحة قد تكلفه حياته في حال انقلاب شعبه عليه، وتخلي الغرب عنه إذا نفذ بوتين تهديده باستخدام السلاح النووي في الفترة القادمة، والذي يعلم جيداً أن الغرب لا يعرف سوى لغة القوة، وأن إعلام الغرب لا يعرف سوى لغة الكذب، حتى إنه أوهم الشعب الأوكراني بأنه انتصر في الحرب، بعد أن انسحبت القوات الروسية من الداخل الأوكراني بشكل تكتيكي، ليتفاجأ العالم برمته بقرار بوتين بضم هذه الأقاليم الأربعة في صفعة أفقدت العالم الغربي تحديداً توازنه، وكل ما يخشاه العالم اليوم أن تتطور الأزمة إلى أبعد من ذلك، ونتفاجأ بنشوب حرب عالمية ثالثة قد تلتهم الأخضر واليابس..

ورغم أن الغرب هو الخاسر الثاني في هذه المعركة بعد تعرضه لحالة ركود اقتصادي عارمة وأسعار مرتفعة بشكل حنوني، وحرمانه من الغاز الروسي الذي فجرت خطوطه أمريكا باعتراف من رئيسها جو بايدن، إلا أن أمريكا حتى الآن لم تستطع تنفيذ مخططها الذي كانت ترمي إليه، حتى إنها نجحت في إقناع الغرب بتوقيع عقوبات على روسيا نتيجة غزوها لأوكرانيا، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في منع أوروبا من الاعتماد على الغاز الروسي، واستبداله بالغاز الأمريكي، حيث إن الإدارة الأمريكية كانت ترمي إلى تحقيق هذه الأهداف منذ البداية، إضافة إلى إنهاك الجيش الروسي في حرب عصابات طويلة داخل الأراضي الأوكرانية، على غرار حرب الاتحاد السوفييتي التي خسرها في أفغانستان، إلا أن بوتين قد أخرج لسانه للغرب والأمريكان، وقرر حماية حدوده وأمنه القومي من أي إجراء قد يتخذه «حلف الناتو» مستقبلاً، ويضر بأمن روسيا، التي كان لها الحق في حماية أمنها القومي ورفض وجود أي قواعد عسكرية لهذا الحلف على الحدود الروسية الأوكرانية، من هنا لجأ بوتين إلى ضم هذه الأقاليم، لتكون هذه الأقاليم هي حدود روسيا الفعلية، من داخل أوكرانيا، تاركاً الغرب غارقاً في أوهامه وخسائره وانهياره اقتصادياً، بعد أن اعتمد على أمريكا التي كانت تعتقد قدرتها على تركيع بوتين ودولته، بمساعدة كومبارس أوكرانيا بالعدة والعتاد، لتحقيق النصر والتخلص من الدب الروسي، إلا أن الحلم الأمريكي تحول الآن إلى «كابوس» مزعج، أدى إلى تراجع الاقتصاد العالمي، ومعاناة عشرات الدول، خاصة الناشئة والفقيرة، من زيادة معدلات الركود والتضخم والفقر والجوع، في حين حقق الدب الروسي أهدافه ومكاسبه من هذه الحرب، وانتزع دور البطولة من «كومبارس» أوكرانيا، وبدأ يركض في ربوع أوروبا منتظراً الأيام القادمة التي سيعاني فيها المواطن الغربي من موجات الصقيع القاتلة مع قدوم الشتاء، في ظل ندرة الغاز الذي كان يمد القارة العجوز بالدفء..!