يقول حافظ إبراهيم (الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق)، وهكذا أعد المجتمع الإيراني بناته على الإيثار والتضحية والفداء فأصبحن أمهات جديرات ببناء مجتمع رصين رغم المآسي المهلكة والعواصف العاتية التي عصفت به خلال أكثر من قرنين، وعلى الرغم من تشابه نساء مجتمعاتنا الشرقية إلا أن المرأة الإيرانية تتميز بالقدرة على مجابهة الصعاب أكثر من غيرها فهي من تحمل طغيان الشاه، وسفاهة الملالي وإجرامهم وتبعات حكمهم العبثي.
كان للمرأة الإيرانية تاريخيا دورا يشهد لها بالتضحية والفداء وحمل المسؤوليات وبناء الأسرة على النحو الأفضل، وكان لها دورها الاجتماعي الكبير حتى في الفترة ما قبل الثورة الدستورية الإيرانية التي قامت ما بين 1905 إلى 1911 وهي الحقبة التي بدأت بعدها في الحصول على حقوق كانت نوعية في حينها كالتعليم وإصدار النشرات النسوية وتطورت حقوق المرأة رويدا رويدا حتى أخر فترة حكم للشاه المخلوع ولم تكن المرأة لتحصل على هذه الحقوق دون كفاح فقد أرغمن الحكومات على الرضوخ الجزئي لمطالبهن، أما دورهن الأسري فكان دورا مثاليا في خلق وتهذيب المجتمع وقد تجسد دورهن بأعلى صور التضحيات والتفاني على الدوام.
كان للنساء دورا كبيرا بارزا في ثورة عام 1979 تلك الثورة التي خلعت الشاه، وقد كان دورها في الجامعات والشارع وكافة أوساط المجتمع مؤازرة في الطليعة، وهن أنفسهن اللواتي ثُرن وواجهن طغيان خميني وجنوده بحجابهن وعفتهن بعد أن خميني وجهه الحقيقي، ونال الكثير منهن كرامة الشهادة في المواجهات ضد نظام خميني في الشوارع والسجون وجبهات القتال الحقيقية طيلة أكثر من أربعين عاما وها هي هذه المرأة اليوم قيادية في أعلى المراتب في أكبر وأقدم إئتلاف سياسي إيراني معارض، ويقود هذا الإئتلاف إمرأة إيرانية وهي السيدة مريم رجوي التي تتقدم الركب فداءا وتضحية على خطى نهضة المرأة الإيرانية، وقد تمكنت من إحداث تغييرات سياسية جوهرية في مسار السياسة الدولية ويدرك المتابع الدقيق المحايد ذلك من خلال متابعة أنشطتها وفعالياتها، وكذلك تمكنت من خلال قيادة النساء لوحدات المقاومة وكتائب الثورة من إحداث تغييرات جوهرية كبيرة داخل المجتمع الإيراني تغييرات كسرت حواجز الخوف المتجذرة لديه وها هو ثائرا مضحيا لأجل إسقاط النظام وإحلال بديلٍ ديمقراطي يلبي حقوق وطموحات الجميع.
على أرضية الشوارع؛ على مسرح نهضة الثورة الإيرانية ضد الظلم تقف النساء من كافة فئات الشعب من بنات وأخوات وزوجات وأمهات الشهداء والمعدومين رجالا ونساءا، وبنات وأمهات واخوات السجناء والمنفيين والمغتربين والفقراء والمعدمين والمشردين والمفقودين، والنساء والفتيات المطالبات بالحرية والكرامة والعدالة وهؤلاء النسوة في المجتمع يمثلن ما نسبته 96% من نساء المجتمع باعتراف النظام نفسه على لسان أحد قادته، وهنا ما أود الإشارة إليه هو أن هذه النسبة وبهذه الدوافع وبهذا الإرث التاريخي للحركة النسوية وللمرأة الإيرانية لابد له أن ينتصر، وسينتصر.
لقد كان للمرأة في الثورة الإيرانية الجارية دورا نهضويا طليعيا مهما إلى جانب الثوار في كل الميادين متحديات النظام، ومن مواقف المرأة الإيرانية المثيرة للإعجاب مواجهتها للقوات القمعية وجها لوجه مرددة شعاراتها الثورية ومدافعة عن الشباب الصغار ذكوراً وإناث، وفي إحدى المشاهد تتحرك أمومة إحدى النساء الإيرانيات فتختطف كالنسر شابا يافعا من الثوار وقع فريسة بأيدي سفاحي النظام وتحرره من بين أنيابهم مطلقا ساقيه للريح، وإمرأة أخرى تبارك استشهاد إبنة أختها التي ربتها وتقول لها اليوم يوم ولادتك يا ابنتي وتهدي روحها للوطن، وهكذا فعلن الحرائر في فلسطين الحبيبة، وصور هذه المواقف كثيرة في الثورة الإيرانية! فماذا لو اعترف المجتمع الدولي بحق الشعب الإيراني بالدفاع عن نفسه وعن ثورته وطموحاته بكل السبل الممكنة في ظل وجود هذه النهضة النسوية الملتهبة.
- آخر تحديث :
التعليقات