یوم أمس دخل رجل مسلّح إلی مكان دیني معروف مسمّی بـ «شاه جراغ» في مدینة‌ شیراز وفتح النار علي الزوّار والمصلّین في هذا المكان، وأسفرت هذه الجریمة عن مقتل ما لایقل عن 15 شخصاً وعن جرح عشرات. السئوال هو:‌ من كان خلف هذه العملیة الإجرامیة في خضّم الثورة الجدیدة الإیرانیة ضد نظام ولایة‌ الفقیه؛ خاصة‌ ویوم أمس كان أكبر منعطف في هذه الانتفاضة بعد مرور أربعین یوماً منها. من حیث الاتساع حیث خرج المواطنون في أكثر من 100 نقطة‌ من العاصمة‌ طهران وفي أكثر من 70 مدینة هاتفین بشعارات تستهدف أساس النظام. كما یقال الماضی منار للمستقبل، فیجدر الإشارة لحادثة مماثلة قبل سنوات.

قبل 26 عاماً وبالضبط في یوم 26 حزیران من العام 1996 كنت في لندن وأقمنا مؤتمراً حول إرهاب نظام الملالي فی قاعة الكنیسة المقدّسة بجانب مبنی البرلمان البریطاني. وقد حضرت الموقع قبل بدایة المؤتمر بحوالي ساعة ورأیت أن فریق تلفزیون الإم بی سي حضر في الساحة قبلي. استغربت من هذا الحضور المبكّر. وسألت الأخ المسؤول عن الفریق سبب حضورهم قبل الحدث بأكثر من ساعة. فردَ علي: ألا تعرف ما ذا حدث یوم أمس؟ قلت :لا. هل كان هناك حدث خاص؟ فقال نعم عملیة إرهابیة‌ كبیرة حدثت یوم أمس في مدینة ظهران السعودیة راح ضحیتها كثیرون. إذن یهمّنا جداً تغطیة مؤتمركم.

بعدها بأیام قلیلة أجری الأستاذ صالح القلّاب حواراً مع السیدة مریم رجوي في لندن لمجلة المجلة السعودیة وسألها عن الجهة المدبّرة للعملیة الإرهابیة في ظهران السعودیة. أنقل هنا نص السئوال والجواب:
«س.هل تعتقدین أن للنظام في طهران علاقة بانفجار الخبر الأخیر...؟
ج. لیست لدي حتی الآن معلومات محدّدة، لكننا إذا نظرنا نظرة واقعیة إلی هذا الموضوع فإنه من الممكن جداً أن یكون النظام في طهران متورطاً في هذه العملیة، وذلك لأن عملیة كهذه لا یمكن أن یستفید منها أحد سوی هذا النظام».

منطق السیدة‌ رجوي واضح: إذا لم تكن لدینا معلومات دقیقة یجب أن نبحث عن المصالح. في حادث یوم أمس في شیراز أیضاً أصدرت المقاومة‌ الإیرانیة بیاناً جاء فیه تعبیر مماثل لما قالته السیدة رجوي بشأن حادث الخبر.
نذكر جیداً أن بعد عملیات التحقیقات والتقصي التي أجرته المقاومة الإیرانیة‌ ذلك الوقت داخل أروقة النظام الحاكم في إیران بشأن العملیّة الإرهابیة التی استهدفت أبراج الخبر نتجت عن تفاصیل المسئولیّة بشأن تلك العملیة، وأعلنّا بشكل محدّد أن جنرال الحرس وأحد قادة قوات القدس الإرهابیة باسم أحمد شریفي هو الذي قاد عملیة الخبر. وشرحنا كیف تم نقل المتفجرات إلی السعودیة و ما إلی ذلك. ثم جاء السید لوییس فریح مدیر مركز التحقیقات الفیدرالیة الأمریكیة الـ «أف بي آی» أنذاك والذي كان مسئولاً عن التحقیقات في الحادث لیعلن علی الملأ في المؤتمر السنوي العام للمقاومة‌ الإیرانیة‌ في باریس أن تحقیقات الـ «أف بي آی» أیضاً وصلت إلی نفس النتائج لكن الرئیس الأمریكي آنذاك بیل كلینتون طلب من لوئیس فریح عدم الاستمرار في التحقیقات وانتهی الأمر.

وفي جانب من البیان الذي صدر الیوم من المجلس الوطني للمقاومة‌ جاء ما نصه:‌
« رغم أن تنظيم داعش تحمل المسؤولية عن هذه الجريمة الكبرى، إلا أن الأمر مشكوك فيه للغاية وحتي إثبات العكس، لا بد من الافتراض أن نظام الملالي كان وراء هذه الجريمة. مقطع الفيديو الذي نشرته قناة تلغرام قوة القدس على عجل منذ لحظة بدء الهجوم يزيد من الشكوك والغموض.
وبينما بلغت الانتفاضة الوطنية للشعب الإيراني ذروة جديدة شملت جميع المدن الكبرى و61 جامعة و35 سوقًا، وكانت طهران [یوم أمس] مليئة بالغضب والنار، فلا يستفيد في مثل هذه الظروف سوی النظام وقوات الحرس ووزارة المخابرات من هذه الجریمة الشنعاء».

هذه العملیة تذكّرنا أیضاً بما حدث یوم 30 حزیران 1994 داخل حرم الإمام الرضا في مدینة‌ مشهد وتفجیر قنبلة قویة أسفر عن مقتل أكثر من سبعین شخصاً من الزّوار. وفور الإعلان عن هذه الجریمة فإذا بخامنئي زعیم النظام اعتلی المنصة في‌أقل من ساعة وألقی باللوم علی المقاومّة الإیرانیة وأعلن أن «المنافقین» (أي حركة مجاهدي خلق) نفذّت تلك العملیة. وبرز سئوال كبیر: بُعید العملیة بأقل من ساعة‌ ودون إجراء أی تحقیق من أین یعرف خامنئي أن مجاهدي خلق كانوا وراء الجریمة؟! بعد ذلك العدید من الشخصیات التابعة‌ للنظام شرحوا أن المخابرات الإیرانیة هی التي نفّذت تلك الجریمة. آخر شخص تحدث عن هذا الموضوع كان مصطفی تاج زاده الذي كان آنذاك نائب وزیر الداخلیة.

بشأن ما جری یوم أمس في شیراز هناك عدة نقاط واضحة‌ تشیر إلی تورّط النظام الإیراني في الجریمة. منها أن النظام قام بتزویر وثیقة تشیر إلی تبني تنظیم داعش هذه العملیة والتاریخ الذي وضعه النظام علي هذه الوثیقة كان یوم الاربعاء 30 من ربیع الأول لكن الواقع أن یوم الأربعاء كان غرّة الربیع الثاني وشهر ربیع الأول كان 29 یوماً فقط. والعالم یعرف أنه من المستحیل ارتكاب مثل هذا الخطأ من جماعة تستخدم التاریخ الهجري القمري.

من جهة أخری أول خبر نشر عن هذا الحادث في وسائل أنباء النظام كان في الساعة 17:59 والساعة الموجودة في الفیدیو تشیر إلی الشخص الإرهابي المسلّح دخل المكان في الساعة 17:43 لكن الانترنت الخاص بالنظام في محافظة‌ آذربیجان الشرقیة أعلن الخبر في الساعة 17:45! أی قبل 14 دقیقة قبل أول خبر عن الحادث في وسائل الأعلام النظام.

فیا تری إذا كانت عملیة‌ الكذب والخداع في عام 1994 أخذ وقتاً طویلاً بأسابیع أو أشهر حتی كشف الحقیقة لكن الیوم وبفضل شبكات التواصل الاجتماعي تم الكشف عن كذب الملالي وخداعهم وجریمتهم خلال ساعات. ولا شك أن الأیام المقبلة حبلی بالمفاجآت في هذا المجال.

#فضاءـالرأي