منذ یوم السبت الماضي أصبحت حادثة سجن إیفین حدیث الإیرانیین وإلی حدّ ما العالم أیضاً. وحتی الیوم تتواصل أخبار ومعلومات جدیدة‌ عن ما حدث لیلة السبت ـالأحد في هذا السجن. آخر المعلومات الواردة‌ من داخل السجن تفید بأن عدد شهداء السجناء في تلك المعركة تجاوز أربعین شخصاً. ومصیر عشرات من السجناء لا یزال مجهولاً.
مساء یوم السبت الماضي فور أن سمع أهالي طهران خبر إضرام النار في هذا السجن فإذا بعشرات الآلاف من المواطنین خرجوا باتجاه هذا السجن الواقع في شمال طهران العاصمة. الطرق السریعة ملئت بالسیارات لكیلومترات، لكن النظام أغلق الطرق المؤدیة إلی السجن وأطلق الغازات المسیلة‌ للدموع علی عوائل السجناء والناس الذین وصلوا إلی منطقة السجن.
المهم أن الحادثة الكبري لم تنته بعد وآثار وتداعیاتها لا تزال متواصلة علی الصعدین الداخلي والدولي. لكنني لا أرید التركیز هنا علی الأخبار والمعلومات الجدیدة في هذا المجال. أرید أن أشرح للقارئ العربي اهمیة هذا السجن والسبب الذي كان وراء خروج أهالي طهران إلی الشوارع و بقوا فیها طوال اللیل.
سجن إیفین الذي یعرف بـ «الرهیب» تم بناؤه في نهایات الستینات من القرن الماضي في عهد الشاه. وبدأ السافاك نشاطه في هذا السجن منذ 1971. هذا السجن شهد أحداثاً مؤلمة جداً خلال الأعوام الأخیرة من حكم الشاه. حیث أن نسبة كبیرة من المعارضین أعضاء وأنصار حركة مجاهدي خلق وفدائي خلق وغیرهم من النشطاء السیاسیین تعرّضوا للتعذیب والاستجواب بید عناصر السافاك في هذا السجن. مؤسسو منظمة مجاهدي خلق الثلاثة كانوا في هذا السجن قبل إعدامهم. كما أن الكوادر القیادیة لحركة فدائي خلق أیضاً تعرّضوا للتعذیب والبعض منهم لفظوا أنفاسهم الأخیرة تحت التعذیب.
منظمة‌ العفو الدولیة بعثت بوفد إلی هذا السجن عام 1972، واستطاع هذا الوفد مقابلة قیادیین اثنین من مجاهدي خلق اللذین تم إعدامهما بعدئذ بأمر من الشاه. وجاء في جانب من هذا التقریر:
«تقرير لبعثة منظمة العفو الدولية إلى إيران عام 1972: زيارة المحامي نوري البلا لسجن إيفين... استطعت أنا وزميلي «ل» من زيارة ناصر صادق وعلى ميهن دوست. وقد رافَقَنا مترجمان قدّما أنفسهما من موظفي وزارة الإعلام، وأعلنا في وقت لاحق أنهما كانا تابعين لمكتب رئيس الوزراء، وفي الحقيقة كانا تابعين لفرع خاص من مكتب رئيس الوزراء، أي السافاك.
وقال ناصر صادق لنا أنه ولد في شهر مايو 1945 في طهران، وهو مهندس درس الكهرباء، وحصل على شهادته عام 1967، وبعد الخدمة العسكرية عمل في شركة بارس الكتريك. ألقي القبض عليه في سبتمبر عام 1971. ولد علي ميهن دوست في أكتوبر 1947 في مدينة قزوين، وهو مهندس ميكانيكي حصل على شهادته عام 1969. وقال لنا أنه منذ ذلك الحين شارك بدوام كامل في الأنشطة السياسية. اعتقل ميهن دوست في شهر اكتوبر 1971.
قال لنا ميهن دوست إن أنشطته تركزّت على طهران قبل اعتقاله. وإنه كان يعمل سرّاً وكان عضواً في مجموعة كانت تستعد للكفاح المسلح ضد النظام. ووجّه له اتهام أنشطة ضد الدولة، والانتماء إلى منظمة (حركة مجاهدي خلق). عمل صديقه ناصر صادق معه قبل إلقاء القبض عليه وشاركه في القيادة العامة للحركة.
وضعت هذا السؤال أمامهما: أذكر لكم الاتهامات التي وُجّهت لكما. هل يمكن لكما أن تقولا من هم الذين وجّهوا لكم هذه الاتهامات؟ فأجاب صادق: السافاك...
وعندما سألنا ناصر صادق عن التعذيب الذي خضع له، أجاب بردّ طويل باللغة الفارسية. وتمت ترجمة كلامه بشكل مقتضب من قبل أحد المترجمين على النحو التالي: "تعرّضا للضرب یوم اعتقالهما". وأشار صادق إلى أن الترجمة غير صحيحة. فإنني كرّرت السؤال حتى أصيب المترجمان بالملل بترجمة الموضوع نفسه؛ وأخيرا سألت ناصر صادق: "وهل أصدقاؤك تعرضّوا للضرب؟ فأجاب باللغة الإنجليزية: «لا، قد اكتووا». وهنا قال المترجمان انتهت المقابلة وحان الوقت للذهاب! فأشار صادق إلى أنه يريد التحدث معي، و حين كان «ل» يتكلم باللغة الفرنسية إلى المترجمين اللذين كانا تدفعاننا على الرحيل، أكد صادق لي أنه تعرض للضّرب بعقب بندقیة و أن هذا قد تسبّب له في النزيف والإغماء. وصرّح أن مسعود أحمد زاده، وبديع زادكان، وعباس مفتاحي، و بازركان كانوا بين الأشخاص الذين تعرّضوا للحرق بوضعهم على طاولة معدنية تم تسخينها حتى احمرّت، وقد أدّت هذه العملية منذ ذلك الحين بالشلل في الأطراف السفلى لبديع زادكان،، ولايمكن له أن يتحرّك إلا بالزحف إلى الأمام باستخدام ذراعيه العليا. وآخر جملة قالها لي: " فليعلموا أنني سمعت شخصاً رأی بهروز دهقاني مات بالقرب منه في غرفة التعذيب".
وأنا قادر على التأكيد أن وصف الطاولة المعدنية التي شرحها ناصر صادق يتوافق تماما مع علامات الحروق المستطيلة التي كنت قد رأيتها في صباح ذلك اليوم نفسه على ظهر مسعود أحمدزادة.»
ناصر صادق وعلي میهن دوست أعدما یوم19 إبریل 1952. وبعد ذلك بأربعة أعوام في 19 إبریل 1975 قام السافاك بإعدام سبعة من القیادیین في منظمة فدائي خلق وإثنین من القیادیین في منظمة‌مجاهدي خلق بشكل سري في سجن إیفین. وبعد الثورة شرح الجلّادون كیف نفّذوا هذه الجریمة علي السجناء العزّل معصوبی الأعین.
یوم سقوط نظام الشاه، أي 11 فبرایر 1979، الثوار سیطروا علی سجن إیفین. آیة الله طالقاني الذي كان قد قضی سنوات من عمره في هذا السجن زاره بعد أیام وأوصی بأن یتحوّل سجن إیفین إلی متحف.
لكن بعد شهرین من انتصار الثورة بدأ نظام خمیني باستخدام هذا السجن لاعتقال واستجواب وتعذیب أنصار مجاهدي خلق. وبعد عامین ونصف تحوّل هذا السجن إلی بیت الجزّارین. بعد ما حوّلت قوات الحرس مظاهرة أكثر من نصف ملیون من أهالي طهران فی العشرین من یونیو 1981 إلی حمام دم، تم اعتقال آلاف مؤلفة من أنصار مجاهدي وبدأت الإعدامات الجماعیة في سجن إیفین. السجناء الذین كانوا في تلك الفترة في هذا السجن یقولون إن الإعدامات الجماعیة كانت تطال كل لیلة مائة أو مائتین شخص وأحیانا یبلغ عدد رصاصات الرحمة أربعمائة.
وفي مجزرة عام 1988 تم إعدام عدد كبیر من السجناء في هذا السجن. وقدّم رضا شمیراني في محكمة‌ استوكهولم شهادة‌ قال فیها إن عدد السجناء في سجن إیفین الذین تم ارتكاب المجزرة بحقهم كان بین 3500 و4000 سجین. كما أن شاهدة من أعضاء مجاهدي خلق شرحت للمحكمة بوجود أربعة ردهات خاصة بالنساء في هذا السجن كل واحدة منها كانت تستوعب أكثر 600 سجینة. والسجینات المجاهدات تم إعدام معظمهنّ في مجزرة 1988 ولم یبق منهم سوی عدد قلیل جداً.
هذه الخلفیة وآلاف من المقالات والكتب والحوارات حول السجن حوّلت سجن إیفین إلی رمز من القمع والتعذیب و الاعدام من جهة‌ والمقاومة والصمود في وجه الطاغوت ومن أجل حقوق الشعب من جهة أخری.
وبذلك یتحوّل سجن إیفین إلی قسم من تاریخ إیران الحدیث وإلی الذاكرة‌التاریخیّة للشعب الإیراني. ولهذا السبب لما سمع أهالي طهران أن هناك خطر لحیاة السجناء‌ في ذلك السجن خرجوا للمساعدة والاحتجاج.

#فضاءـالرأي