شهد الأسبوع الماضي فاجعة جديدة راح ضحيتها 7 شبان فلسطينيين من قطاع غزة، قضوا غرقا خلال محاولتهم الهجرة في مركب قبالة السواحل التونسية، لتعيد الى الأذهان حادثة بحر ايجا في اليونان.... لقد انتهت رحلة البحث عن الحياة في منتصف الطريق، بعد أن ضاقت بهم أرض غزة حصارا وبطالة وقهرا فلم يجدو سبيلا غير الفرار منها.

قد تختلف الدوافع التي تجعل الشباب العربي يفكر في الهجرة الغير شرعية بين بلد وآخر فمنهم من تكون أوضاعه الاقتصادية أو مكوثه في البطالة لسنين طويلة هي الدافع الأساسي، ومنهم من يكون دافعه الأول هو البحث عن أسلوب مختلف في الحياة أو بالأحرى البحث عن الحرية التي تقدمها المجتمعات الغربية، وآخرون، يفكرون في تقليد أترابهم من الذين نجحو في الوصول الى الضفة الأخرى من المتوسط، حتى من دون أن يكون لهم هدف محدد، وفي الغالب تكون الأهداف مجرد أحلام سرعان ما تتلاشى بمجرد معايشة الواقع الذي تفرضه الرأسمالية في الغرب، ولكن الحال يختلف في مناطق الحروب كغزة، فالظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية كلها تتراكم لتجعل من الهجرة الغير شرعية سبيلا لا مناص منه لإنقاذ ما تبقى من العمر، غزة ذات الكثافة السكانية العالية، بؤرة تتوفر فيها كل الأسباب والمسببات التي تدفع بشاب أكمل دراسته الجامعية أو بأن يفكر في الفرار بأي طريقة حتى وان كانت هذه الطريقة قد تضع حدا لحياته فإما المغامرة أو العيش تحت مطرقة الاحتلال وسندان حماس.

تقدر نسبة البطالة في غزة بأزيد من 50 بالمئة وهو رقم مرشح للارتفاع كل سنة بالموازنات مع الحصار الاقتصادي والوضع المالي الصعب فالمصانع تعاني من تبعات الوضع البائس الذي يؤدي بالعديد من أرباب العمال الي الإفلاس، أو عدم القدرة على خلق مناصب شغل جديدة، فضلا عن العجز التام لحكومة حماس في خلق مناصب شغل حتى لخريجي الجامعات من المتفوقين، وفي كل مرة تقدم دولة الاحتلال تصاريح عمل جديدة في الداخل المحتل يجد الجميع أنفسهم مجبرين على التزاحم أمام مكاتب الغرفة التجارية للتقديم على فرصة قد تنقدهم من براثن الفقر والحاجة..... لم تعد التجارة الموازية مزدهرة كما كان الحال قبل عشرة سنوات خلت عندما كانت رفح المصرية المتنفس الوحيد للقطاع للتبادلات التجارية التي تنعش الأسواق وتزيد من حركة رأس المال لتعم الفائدة على صغار الكسبة، لقد سدت كل الأبواب وازدادت الأوضاع ضيقا ولم يعد هنالك سبيل للخلاص الا بالهروب من جحيم غزة ولكن هذا الهروب لن يكون الا لمن استطاع اليه سبيلا فكلفة التفكير في مغامرة الهجرة الغير شرعية تزيد عن 5000 دولار وتجبر أصحابها اما على لاستدانة أو بيع ذهب الأسرة، هنا يصبح التفكير في احتمال فشل المغامرة وضياع الأموال كابوسا يخنق المغامرين ويجعل تقبلهم لرهان الموت أهون من التفكير في العودة .

وان كانت أعداد المغامرين من غزة قليلة نظرا لصعوبة توفير المال الذي يعتبر وقود الانطلاق في رحلة اللاعودة، الا أن الجميع شيبا وشبابا يفكرون بالهروب من الوضع الذي جثم على صدورهم طويلا من دون ان يكون هنالك أمل بان يتحسن يوما ما، لقد أحكمت إسرائيل بحصارها القبضة على غزة لتجعلها منطقة شبه منكوبة كما زادت حماس الطين بلة بسوء تسييرها واندفاعها الى خطوات غير محسوبة العواقب على حساب الجبهة الاجتماعية التي تدفع الثمن بمفردها في كل مواجهة عسكرية وفي كل خطة جديدة لزيادة الضرائب.

وأمام هذا الواقع المر، أتساءل في نفسي قائلا: هل تركت غزة لتتآكل من الداخل حتى تفنى؟ أم ان الهروب منها هو السبيل الوحيد للخلاص؟..... ثم أين أصدقاء غزة؟ أليس بإمكان قطر الداعمة لغزة أن تتوقف عن ارسال منحة الى 100 دولار التي لا تسمن ولا تغني من جوع وأن تستبدلها بتبني مشاريع اقتصادية تعود بالنفع على الفقراء والعائلات المتعففة؟ هل صعبت المهمة على قطر في أن تنتدب عمالا وحرفيين من غزة بدل أن تنتدب هنودا وبنغال؟.... لن تستطيع قطر أن تحل جل مشاكل غزة في ظل وجود حصار ممنهج يريد أن يقضي على الأخضر واليابس وفي ظل وجود ‘’مقاومين في فنادق 5 نجوم’’ من قيادات حماس أوصلوا غزة الى هذا الوضع البائس، ولكن على الأقل باستطاعتها أن تساهم في دعم موجه لمصانع غزة المتعثرة لعلها تنقد ما يمكن انقاده من فرص العمل المتبقية والتي وان فقدت فستزيد الأعداد في قائمة المرشحين الى الهروب من حجيم غزة.

#فضاءـالرأي