بعد شهرين من بدء الثورة الجديدة في إيران، على الرغم من الادعاء بأن الوضع "تحت سيطرة" حكام إيران، أظهر إغلاق الأسواق وتفجر الانتفاضات في مختلف المدن في الأيام الثلاثة الماضية أن الحكومة لا تملك سوى القليل من السيطرة على التطورات في إيران.
في 16 و 15 و 17 نوفمبر تم الاحتفال بذكری انتفاضة نوفمبر 2019، عندما تمكن النظام من السيطرة مؤقتًا على الانتفاضة، التي اندلعت بسبب ارتفاع أسعار الوقود، من خلال إغلاق الإنترنت لعدة أيام وإطلاق النار بلا هوادة على المتظاهرين وقتل 1500 منهم. ومن المناسب البحث عن سبب استمرار الانتفاضة الحالية والمقارنة بين الانتفاضتين.
في عام 2022، على عكس عام 2019 وقبل ذلك عام 2018، نواجه حركة منظمة أقوى بكثير تتحرك بعيون مفتوحة. آلية تنظيم الحركة، التي تنتمي أساسًا إلى الشباب الثوریین، هي مراكز الثوار في الأحياء الموجودة في مدن مختلفة.
وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق التي بدأت نشاطها عام 2014، عندما كانوا في العراق، معروفة وتعمل في مختلف المدن والمناطق الإیرانیة. بعد سبع سنوات، شارك 1000 عضو من هذه الوحدات ملثمين ودون الكشف عن هويتهم برسائل فيديو في المؤتمر العام للمجاهدين عام 2021، والذي تم بثه عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم. في العام الجاري 2022، ارتفع هذا العدد إلى 5000. بالطبع، كان هذا عدد المشاركين بصور الفيديو، والتي هي جزء من مجمل هذه الوحدات، وليس جميعها.
مع بداية الانتفاضة الحالية التي أعقبت مقتل مهساء أميني على يد دورية إرشاد الملالي في سبتمبرالماضي، دخلت هذه الوحدات علی الخط في مدن مختلفة من البلاد. هذه الشبكة هي الجوهر التنظيمي للانتفاضة التي بدونها ما كانت لتستمر إلى هذا الحد.
لفهم الموضوع بشكل أفضل، من الجيد الرجوع إلى سلطات النظام الحاكم. في 13 نوفمبر، أعلن موقع جام جام عن تشكيل مجموعة في أحياء طهران "بهدف تنظيم أعمال شغب، وتشجيع الفئات الرمادية من المجتمع على أعمال العنف، وكتابة الشعارات، وإحداث أزمة". وأضاف هذا الموقع: "بعد أن هدأت موجة الاضطرابات في البلاد؛ تعمل جماعة من شباب الأحياء لتنظيم أعمال الشغب وبث روح جديدة فيها، والأعمال التخريبية واستمرار كتابة الشعارات. وتحاول مجموعات "شباب الأحياء" في مدن مختلفة قیادة الانتفاضة؛ وقد خلص هذا الموقع إلى أن "مجموعة المحلات الشبابية هي نسخة من نفس المراكز النضالیة لمجاهدي خلق التي نفذّت عدة عمليات في بعض المناطق".
وفي محاولة للتظاهر باحتواء الحركة، صرح المعمم طيبي فر، نائب ممثل زعیم النظام في قوات الحرس، في 5 نوفمبر، أن "50 من قادة أعمال الشغب الأخيرة الذین اعتقلوا كانوا من مجاهدي خلق". وفي 4 نوفمبر أعلن رئيس دائرة القضاء في محافظة فارس اعتقال 3 من مجاهدي الشعب الذين قالوا إن نشاطهم لم يقتصر على محافظة فارس، بل "كانوا مسؤولين عن تخطیط وتوجيه مشاريع دعائية لصالح مجاهدي خلق وقادتهم." في 5 نوفمبر، ذكرت استخبارات شرطة طهران أنه" تم القبض على قائد أعمال الشغب في طهران، الذي كان ناشطًا في إحدى مجموعات تلغرام التابعة لمجاهدي خلق".
وفي 15 نوفمبر، أوردت وكالة أنباء فارس التابعة لقوات الحرس، بالتفصيل ملامح الانتفاضة الحالية. وکتبت هذه الوكالة: "إن أنماط سلوك المشاغبين في الشارع تثبت ببساطة أن هذه الأحداث ليست احتجاجًا عفويًا وشعبيًا على الإطلاق، بل هناك عناصر واضحة لإثبات أنها منظمة". على سبيل المثال، في الاعتقالات التي تمت منذ الأيام الأولى، لوحظ وجود أدوات مماثلة مثل نظارات السباحة والولاعات والسجائر وما إلى ذلك في حقائب جميع المعتقلين. وهذا معناه أن هؤلاء الأشخاص قد تم تدريبهم من مسار محدد وواحد ونزلوا إلى الشارع لتحقيق أهداف محددة سلفًا.
وفي مجال أنماط الاضطراب والسلوكيات على أرضية الشارع، أظهرت مراقبة كاميرات المدينة أن مثيري الشغب لديهم سلوكيات مختلفة ومعقدة تمامًا في أجندتهم. القادة الذين لم يبقوا ثابتين في التجمع وظهروا في تجمعات من لحظة إلى أخرى وقادوا لفترة وجيزة، أو النمط السلوكي لمثيري الشغب لإنشاء تجمعات من حي إلى حي وقلة التركيز، كل هذا يشير إلى تنظيم معقد لأعمال الشغب".
وأجرى الملا إسماعيل خطيب، وزير المخابرات، مقابلة غير مسبوقة على موقع خامنئي في 17 نوفمبر، وبخصوص هذا الموضوع وقال:
"... أعمال الشغب الأخيرة، التي حدثت بشكل متقطع على عكس الماضي، كان لها تخطیط معقّد ...تم تخطیط هذا النموذج وتنفيذه للقضاء على تركيز قوى مكافحة الشغب وانتشار الاضطرابات إلى أجزاء مختلفة من المدينة. اشتعلت نار هذه التجمعات المتناثرة بفعل عناصر قليلة ومحددة وبأعمال منتظمة ومحسوبة وجريئة، كانت منظمة وموجهة بالكامل. لقد جذب هؤلاء انتباه الناس من حولهم بطرق مختلفة، منها قطع الطريق، وإشعال النار في صناديق القمامة، وكشف الحجاب، وترديد الشعارات، وما إلى ذلك، ودعوا المتظاهرين الجادّین إلى المساعدة. وتدريجيًا، تمت إضافة أجزاء أخرى من الناس إلى الحشد في شكل عناصر عاطفية ومتفرجين. اللافت أن النواة الأولية فور تشكيل التجمع تغادر المكان وتبدأ العمل لتجمع جديد ... في هذا الشغب، حسب آخر الإحصائيات، ألقي القبض علی ما يقارب من 100 عنصر ينتمون إلى المنافقين[مجاهدي خلق]...»
في تحليل الانتفاضات السابقة، جاء خامنئي زعیم النظام إلى الساحة في كل مرة بعد أن هدأت الانتفاضة لفترة من أجل تحليل الوضع. وذكر عن انتفاضة 2019، أن مجاهدي خلق "شخصوا بعض الناس في الداخل ليساعدونهم، ولنزول الساحة بهدف دعوة الناس، وهم الذین وجّهوا الدعوات». وفي عام 2020، صرح أن مجاهدي خلق اجتمعوا في دولة أوروبية " ضد الجمهورية الإسلامية وخططوا ووضعوا خطة. كانت الخطة بالضبط لما شاهدناها بعد أيام قليلة في قضية البنزين ".
لكن هذه المرة، مع توسع الانتفاضة إلى مختلف شرائح والمناطق الاجتماعية، فنری فی تحالیلهم واستنتاجاتهم، تشير التفاصيل الميدانية إلى دور وحدات المقاومة. ولمواجهة هذه الظاهرة قام النظام بنشر إعلانات واسعة.
ففي 10 نوفمبر، من خلال بث مقطع غير مسبوق مدته دقيقة واحدة على جميع مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد شرحها لعمل شبكة مجاهدي خلق، طلبت استخبارات قوات الحرس من المواطنين الإبلاغ عن أي اتصال مشبوه من الشبكة المذكورة إلی أقرب مقر لقوات الحرس أو الاتصال برقم طوارئ يتعلق باستخبارات الحرس!
لا نرید أن نقول أن کل شیء في الانتفاضة من فعل وحدات المقاومة، لأن الانتفاضة تشمل جمیع أطیاف الشعب ولها متعدد الأسباب، لکن هذه الوحدات هي العامل الثابت في الانتفاضة وسبب استمراریتها.
التعليقات