لم تكن سنة 2022 قاسية فقط على تجار العملات المشفرة في العالم بعد الهبوط المدوي الذي سجلته عملة بيتكوين وإيثريوم، وانما وصل تأثيره أيضا داخل قطاع غزة المحاصر وعلى حكومة حماس والفصائل الفلسطينية التي تتلقى دعما ماليا خارجيا يأتي من طهران عبر هذا النظام المالي الذكي، وحتى وان استطاع قسم الأمن السيبراني لدولة الاحتلال أن يقتفي أثر بعض التحويلات ويصادر منها مئات الآلاف من الدولارات الا أن التحويلات المتبقية في الأرصدة النائمة والتي لم يكشف عنها بعد قد سجلت خسائر كبيرة شأنها شأن ما يحدث في السوق العالمية وهو ما يعني أن أحد أهم منابع المال السهل التي كانت حماس والجهاد الإسلامي قد جفت.
لا يخفى على أحد أن السوق المالية الرقمية قد شكلت الملاذ الآمن للعديد من المنظمات المحظورة دولية تحت مبرر الإرهاب بما فيها حماس التي ناشدت بشكل صريح عبر القنوات الرسمية الى دعم المقاومة بالعملات المشفرة ففي سنة 2019 وفي أوج ازهار أسواق البيتكوين ونستذكر هنا دعوة المتحدث باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” ، عبر تطبيق التراسل الفوري (تليغرام)، بشكل مباشر جميع المتعاطفين مع القضية الفلسطينية الى دعم الجناح العسكري للحركة بالمال من خلال عملة بتكوين، وصدرت تلك الدعوة من دون تقديم إيضاحات ولا حتى أرقام عن القيمة المالية التي وصلت عبر هذا النظام المالي .....الأمر ليس غريبا ما دامت حماس لا تفصح عن إيراداتها ولا موازنتها المالية السنوية وهو ما يعني أن موضوع الفوائد التي جنيت والخسائر التي سجلت في تحويل البيتكوين الى عملات كلاسيكية تخفي وراءها نقاط استفهام كبيرة خاصة وأن الامر يتعلق بأرصدة سرية لا يعرفها الا دائرة ضيقة من علية القيادات.
وفيما لا تفصح حماس عن القيمة المالية التي وصلتها بالبيتكوين يقدم الاحتلال تقريرا مفصلا عن الأموال والمحفظات الرقمية التي صادرها ففي شهر ديسمبر 2021 قدمت سلطات الاحتلال تقريرا أمنيا يفيد بأنها، صادرت السلطات 750 ألف دولار من 12 حساباً رقمياً، تشمل حوالي 30 محفظة رقمية تابعة لشركة صرافة تنشط في غزة لها علاقة مباشرة بحماس وخلال سنة 2022 صادر الاحتلال 150 محفظة رقمية، بقيمة 2.6 830 ألف دولار أميركي لها علاقة بـ "شركة المتحدون للصرافة" ومحلات إحدى كبار التجار في غزة وبما أن القطاع يقبع تحت حصار شامل يتم فيه التضييق على حركة مجمل السلع التي يرخص لدخولها الى غزة، إضافة الى اغلاق جميع الأنفاق التي تربط غزة بمصر فانه يصعب الحديث عن إمكانية أن تكون هذه الأموال قد خصصت للتمويل العسكري أو لشراء معدات عسكرية ما يعني أن تلك الأموال تكون موجهة للإنفاق اما لسد عجز الموازنة لضمان رواتب المنتسبين الى الفصائل أو نشاطات خارجية تخص قيادات الحركة.
يصف الاحتلال البيتكوين "بالأوكسيجين الاقتصادي" الذي من خلاله تخفف حركة حماس والجهاد الإسلامي من وطأة الحصار المفروض لذلك بولي أهمية قصوى لمحاصرة هذا النشاط لضمان أن تبقى معادلة "الاقتصاد مقابل الأمن" بيده وأن تكون هناك حاجة دائمة الى تسهيلات اقتصادية تخرج غزة من وضعها الاقتصادي الهش، فبدون مال لن تستطيع حماس إعادة تحريك عجلة الاقتصاد وستضطر الى المحافظة على الهدنة من أجل ضمان استمرار تصاريح العمل وحركة معبر بيت حانون وصوفا وبدون مال ستواجه التنظيمات المسلحة كالقسام وسرايا القدس وغيرها مشكلة كبيرة في دفع رواتب منتسبيها خاصة وأن خزائن الحكومة بالكاد تكفي لصرف مرتبات الموظفين الحكوميين وتأمين حاجيات غزة من الطاقة.
ولكن اليوم ومع هذا الانهيار الكبير الذي تشهده السوق الرقمية والتضييق المستمر للاحتلال على الأصول الرقمية التي تدخل غزة يمكن القول إن أحد أحسن الملاذات الآمنة التي كانت حماس والجهاد تتلقيان من خلالها الدعم من طهران قد سد مما يعني أنهما أمام مشكلة حقيقية اذ لم يعد بالإمكان الاعتماد على الضريبة كمصدر تمويل في ظل وضع اجتماعي واقتصادي كارثي لا يمكن أن يتحمل فيه المواطن الغزي أكثر مما سبق، وهنا ستصبح حماس بحاجة الى استقرار أمني تصرف به مشاكلها الداخلية وتنعش به خزائنها الفارغة أكثر من أي وقت مضى.
التعليقات