"لقد فقعنا في الوخ" هي العبارة التي يُرَدّدها النجم عادل إمام في فيلم "مرجان أحمد مرجان"، حين يقوم بأداء دور جندي روماني يدخل على الملك ليُرَدِّد عبارة "لقد وقعنا في الفخ". لكن على عادة الزعيم، وتوافقاً مع ظهوره في الفيلم بشخصية رجل أعمال جاهل، جَعَلها "لقد فقعنا في الوخ". وقد إستعرتها قبل يوم مِن إنطلاق بطولة خليجي25 وإسمها المثير للريبة في محافظة البصرة، كعنوان لمنشور كتبته في الفيسبوك، مُحَذراً مما إستشعر حينها أنه أمر دُبِّر بليل من خلال تنظيمها، وما سَبَقها ورافقها من بروباغندا دعائية، كان واضحاً أن الهدف منها دغدغة مشاعر الناس، للتركيز على الحدث وتجاهل ما سَبقه وما سَيَليه من حال مزري تعيشه المحافظة، متمثلاً بخدمات مفقودة ودور ومدارس طين وفوضى عشائر متناحرة ومليشيات منفلتة، تعجز إدارة المحافظة، ومِن ورائها الدولة، عَن تغيير 1% منه.

يومها حَذّرنا من أن يكون تنظيم البطولة مُحاولة من قبل حكومة المحافظة والمَركز لإستغفال الناس وإستغلال حبهم لكرة القدم وأجوائها، لإعادة تأهيل أنفسهم وتسويق أحزابهم الطائفية ومَنظوماتهم الهجينة كالحشد، الذي فقد بعضاً من بريقه الزائف خلال الفترة الماضية، خصوصاً لدوره بقمع إنتفاضة تشرين، ورؤية الناس أن مَن إعتبروهم تيجان رأس وحُماة أعراض يقتلون أبنائهم! وقد تأكدت شكوكنا يوم تم الإعلان عَن أن إدارة المحافظة أوكلت مهمة تأمين مباراة ختام البطولة وحَفلها للحشد، وتسائلنا حينها عَن السبب؟ هل هو لعَدم وجود شرطة في المحافظة؟ أم هو فِعل مقصود لإعطاء الحشد النكرة، قيمة أمام العراقيين وضيوفهم، ودَور يستغله كمِنّة ليُعَيّرهم بها بالقول "نحن أنجَحنا البطولة وجئنا لكم بالفوز" كما فعل بعد فيلم داعش حينما قال لهم "نحن حَرّرناكم وحَمَينا أعراضكم". فهل سَيُنسَب الفضل له بنجاح البطولة بعد إنتهائها؟

لم تمضي سوى أيام، إلا وتأكدت شكوكنا، وجاء ظنّنا وبات في محله. فإذا بإسم الحشد يَتصَدّر الصحف بأكثر من عنوان، فواحدة تطالعنا بخبر "هيئة الحشد الشعبي تُكَرِّم لاعبي المنتخب بعد فوزهم ببطولة خليجي 25"، والثانية "محافظ البصرة يشكر هيئة الحشد الشعبي على دورها في إنجاح بطولة خليجي 25". ولا ندري ما تخبيء لنا الأيام القادمة في جعبتها مِن أخبار على هذه الشاكلة، الهدف منها إعادة تأهيل الحشد وبث الروح في جثته المتعفنة، هو وطغمة أحزاب الفساد الحاكمة التي تدعمه، وعمائم إيران التي تقف ورائه وتستفيد من وجوده كسكين في خاصرة العراق، وكجيش مرتزقة تُحارب به أعدائها. حينها لم يستمع إلينا سوى قلة، فالغالبية تم تغييب عقلها، وإندفعت خلف مشاعر ساذجة غير محسوبة، ولا حتى بحِسابات وطن نسوا أنه يَأِن منذ سنوات بسبب هؤلاء الساسة الفاسدين المجرمين، وتناسوا لهم ذلك بمجرد دَغدغتهم لمشاعرهم بلعبة كرة قدم، وبقصص ترفع الأدرينالين لدى المُحبطين، بدأت تنتشر كالنار بهَشيم مواقع التواصل، مِن قَبيل أن سائق تكسي أوصَل مُشجعاً عُمانياً ولم يأخذ منه كَروة! أو صاحب مطعم لَم يأخذ أجر الطعام من مُشجع بحريني! أو صاحب فندق لم يأخذ أجرة السكن من مُشجعين سعوديين وكويتيين! أو دعوة مُطربين كحسام الرسام وماجد المهندس وأحلام الى حفل الختام ليغنوا لهُم بطريقة النواح عن العراق مع شو يتضمن تقبيل الأرض وإرتداء العَلَم! ومن رفض أن يشارك في هذه المسرحية، تم تسقيطه والطعن في وطنيته طبعاً، كما حدث مع الفنان كاظم الساهر.

بعدها بأيام جائت ضربة القِشّة التي قصمت ظهر البعير، الذي يبدو أنه لن يتعلم وسيبقى على التلِّ، والتي تمثلت بموقف المنتخب العراقي بعد المباراة، الذي رَضي أن يكون وسيلة لتأهيل الفاسدين وتلميع المجرمين، من خلال قبوله التكريم من كيان هجين كالحشد، يمثل لملوم ملشيات إرهابية تضم مرتزقة أياديهم ملطخة بدماء شعبهم يدينون بالولاء لخامنئي، ورفع لاعبيه صورة أحد هؤلاء المرتزقة المدعو أبو مهدي المهندس، وهو موقف سنجده مخزي ومُعيب إذا قارناه مع موقف المنتخب الإيراني الجريء الشجاع الذي رفض ترديد النشيد الوطني لبلاده ليُسجل موقف أمام نظامها الحاكم الذي يقمع ويقتل شعبه بالعشرات، وليوصِل صوت الأخير ويوجه الإنتباه الى معاناته. الفرق بين موقف المنتخب الإيراني والمنتخب العراقي، هو الفرق بَين من لديه مبدأ وقِيَم، وبَين من لا مبدأ ولا قِيَم له! فما قيمة الفوز بكأس كواجهة لطغمة سياسية فاسدة مُجرمة أياديها ملطخة بدماء الآلاف من أبناء شعبك عِبر تسليمه وتجييره لها؟ وما قيمة إلقائك نشيد وطني، ووطنك مستباح؟ أو رفعك لعَلَم، وشعبك مَهدور الإنسانية؟ لكن لطالما كان ولاء العراقي للمظهَر، أي للأناشيد والأعلام، وليس للجَوهَر أي للوطن والبشر. هذا هو الفرق بينه وبين أغلب الشعوب، التي تقدم أوطانها كقيمة وشعوبها كبشر، على أناشيد وأعلام قد تتغير بتغيّر الأنظمة، لكن قيمَتها المعنوية مِن قيمة الوطن والبشَر الذي ترمز له، وإذا أُهدِرَت قيمة هذا الوطن وهؤلاء البشَر، فلن تعود للأناشيد والأعلام قيمة. بالتالي الدموع الحقيقية هي التي تنهمر على هَوان حال الوطن والبشر لا على النشيد والعَلَم! وهذا ما جَسّده المنتخب الإيراني برفضه ترديد النشيد الوطني الذي بات يمثل النظام. فيما تنهال دموع العراقيين أربع أربع، حينما يُنشِد الفريق العراقي النشيد الوطني ويلتحف المغنون بالعَلم، اللذان قُتِل وهُجِّر على يد النظام الذي يمثلانه، الملايين من أبناء شعبه، لأن العراقي ينطلق في ردود أفعاله من مَرتبة دنيا في النفس الإنسانية هي الغريزة والعاطفة الساذجة تجاه أغنية أو عَلَم، ولم يرتقي الى مَرتبة أعلى هي العقل ليُحدد ويوجه ردود أفعاله على أساس ما يحدث للوطن والشعب، فهو ينسى كل ما يحدث لهما، إذا دَغدَغتَ مشاعره بإلقاء نشيد حَماسي مَحشو بالشعارات، أو رفع راية تحمل إسم الله لتبرير ما يحدث تحتها مِن جرائم!

قد يَتوقع أي فَرد سَوي، أن مَن تفاجئوا بما حدث بعد البطولة سيدخلون في حالة صَدمة، تدفعهم الى مراجعة تصرفاتهم وملاحظة أخطائهم والإعتراف بها والتعلم منها وعدم تكرارها. لكن كل هذه السلسلة من الخطوات التي يقوم بها الإنسان السَوي بعد أي فعل لن يقوم بها مِن العراقيين سوى قِلّة، لأنهم لم يعتادوا ذلك. كما أنهم لا يُقِرّون بأخطائهم، لأنهم يعتبرون الإعتذار عنها ضُعف. بالتالي سيُكررونها مستقبلاً، وسيُنتِج ويُخرِج لهم نفس هؤلاء الساسة، أو مَن سيأتون بعدهم، أفلاماً كثيرة جديدة قادمة، رَغم أنها تجارية درجة عاشرة ومُمَثليها كُمبارس، إلا أنهم سيضحكون عليهم ويستغفلونهم بها ويفقعوهم في الوَخ، كما يفعلون في كل مرة، ثم سيكتشف العراقيون ذلك وينصدموا، ثم يُعيدوا الكَرّة ليفقعوا في وَخ جديد وهكذا. هذه الصفة في العراقيين يَعرفها الساسة الحاليين، ويُراهنون عليها، ويتلاعبون من خلالها بمَشاعرهم منذ زمن، وهي ناجحة معهم وأوصلتهم لأهدافهم حتى الآن.


[email protected]