كسابقاتها ...خرجت قمة شرم الشيخ الأمنية بمخرجات مكررة... حيث ثم التشديد على ضرورة ايجاد صيغة لوقف التصعيد الذي من شأنه أن يؤدي الى المزيد من أعمال العنف من الجانبين على حد سواء، ولكن الحديث عن نجاح هذه القمم الأمنية أمر صعب التكهن به في ظل غياب الأطراف الأكثر تأثيرا في المعادلة وهنا نقصد حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى التي ترفض مرارا وتكرارا الجلوس على طاولة واحدة مع المحتل وترد على البيانات الختامية للقمم الأمنية بتصريحات تصعيدية تعلن من خلالها أن المواجهة هي الخيار الوحيد والطريق الأمثل لردع الاحتلال، ومع أن حماس مدركة بأن التصعيد سيكون طوق النجاة لنتنياهو الذي يريد الخلاص من أزمته الداخلية عبر تصديرها الى غزة، الا أنها ومن خلال إصرارها على اللغة التصعيدية تسير في طريق الفخ غير آبهة لما سيترتب عن المواجهة القادمة .

توظيف الملف الأمني كـ "دعّامة" للتغطية على الفشل السياسي، سياسة كلاسيكية اعتمدتها جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للهروب من سخط الشارع بعد الإخفاق، وهي استراتيجية تضليل واضحة يمارسها الفريق الأمني لحكومة الاحتلال الجديدة، محاولا من خلالها توفير غطاء لنتنياهو يمكنه من كسب الوقت العامل الوحيد الذي يملكه لكسب معركة القضاء، ومن المعروف أن الطريق المختصر لحل أزمات إسرائيل الداخلية هو فتح جبهة مع غزة يكون فيها الشارع الإسرائيلي مجبرا على الالتفاف حول حكومته بما أن الخطر الأمني يأخذ الأولوية على الأخطار الأخر، وقد يوظف الملف الأمني أيضا في المعارك الانتخابية لحشد الأصوات على اختلاف ألوانها وهو ما قام به يائير لابيد مؤخرا في حربه الخاطفة ضد الجهاد الإسلامي في أغسطس من العام الماضي.

هوية حماس كحركة مقاومة يلزمها بأن تستعمل لغة التصعيد بين الحين والآخر لتذكر الشارع الفلسطيني بأن نهجها أكثر فاعلية من الاتفاقات الأمنية للسلطة الفلسطينية لا تأتي بجديد، وأنها المظلة التي تجمع تحت ظلها جميع أطياف المقاومة المسلحة، ولكن حماس لم تظهر ردة فعل قوية في مواجهة الجهاد الإسلامي الأخيرة ونجحت في سياسة ضبط النفس الى أبعد الحدود، ربما كان ذلك قراءة سليمة لأهداف يائير لابيد من تلك الحرب أو أن التقارب الذي حصل مع القاهرة يحتاج وقتا لبناء الثقة ولتحقيق مكاسب منه يبدأ بعدم اقحام نفسها في معركة قد تضع مصر في حرج كبير يقلب نجاحها في الوصول الى هدنة الى فشل قد يضطرها الى إعادة تقييم سياسة الانفتاح نحو الحركة بما أنها لا تتعاطى مع الجهود الرامية الى تحقيق الاستقرار في المنطقة، ولكن الجهاد الإسلامي تبدوا أكثر اندفاعا لخوض مواجهة جديدة بعيدا عن كل الحسابات السياسة لحماس، خاصة وان الاستهداف المتكرر لأعضائها في الضفة ودمشق والذي كان آخره استهداف عضوين لها في جنين ودمشق أمر سيضعها في حرج أمام منتسبيها.

ومع أن عملية إطلاق صاروخ نحو إسرائيل لم ينجر عنها رد فعل إسرائيلي الا أن هذا قد يفسر أن إسرائيل تريد ان تبقي توقيت خيار المواجهة العسكرية في يدها، خاصة وانه يستعدي ترتيب الأوضاع الأمنية في الضفة ما بعد عملية جنين الأخيرة، أو ربما لعدم افساد مكتسبات قمة شرم الشيخ الأخيرة والتي قد تساعدها على ترتيب تلك الأوضاع، بل انها مضطرة الى تقديم ضمانات لمصر والأردن بعدم خرق الاتفاق مجددا والا فان ذلك يعني بأن كل الجهود العربية لوقف دوامة العنف في الأراضي الفلسطينية قد تصبح لا محل لها من الاعراب ولهذا فان إسرائيل مجبرة على اظهار حسن نية لأطراف القمة بما فيها واشنطن الراعية لهذه القمم.

يأخذ الحديث عن احتمالات المواجهة وتوقيتها وأطرافها الحيز الكبير من التحليل والمتابعة، ولكننا نسقط دائما سكان قطاع غزة من المعادلة مع أن الفاتورة الكاملة لما يترتب عنه من مواجهة تقع على عاتقهم وتزيد أوضاعهم شدة بل تضيق عليهم الخناق أكثر فأكثر، وهنا نتساءل عما إذا كانت حماس قد دفعت ما عليها من مستحقات في المواجهات السابقة خاصة وأن التقارير الأخيرة تحصي 90 ألف وحدة سكنية متضررة تحتاج إلى إعادة إعمار في غزة، وأن الزيادات الضريبية الأخيرة والتي أصبح لا مفر منها بعد جفاف مصادر التمويل الايرانية بالعملات المشفرة، قد تضع الحركة في موقف أخلاقي صعب، فواجبات المقاومة التي تنادي بها حماس لا يمكن أن تسقط عنها مسؤوليتها في تدهور أحوال الناس، لهذا فان اطلاق يد الجهاد الإسلامي في مواجهة عسكرية جديدة ينبغي أن يأخذ في الحسبان أن الحاضنة الشعبية للحركة في غزة قد أصبحت أكثر ميلا للتهدئة من التصعيد، وبالتالي فان الدخول في مواجهة عسكرية غير محسوبة العواقب ستضاعف مشاكل غزة الاقتصادية والاجتماعية وستكون القطرة التي تفيض الكأس وتضع الحركة في مواجهة الغزيين لا في مواجهة الاحتلال.