بعد ان أخرجتهم روائح فساده الكريهة في مظاهرات حاشدة في عام 2018، يخرج الشارع الإسرائيلي اليوم رافضا لنموذج الديكتاتورية الدينية التي يريدها نتنياهو وفريقه في محاولة للالتفاف على القضاء ربما سترسم طريق سقوطه هو ومن معه، مع خروج المظاهرات الغاضبة بشكل منظم ضده أسبوعيًا، والتي زادت وتيرتها وحدتها خلال الأيام القليلة الماضية.

مشاهد متراصة يمكن أن تلاحظها عين المتابع للسيناريو الإسرائيلي، لتكون بكل بساطة لوحة تشبه لوحات نهاية العالم وما بها من صراع بين أشخاص يتناحرون على السلطة، فنتنياهو لم يعبأ لحالة الرفض التي يعاني منها هو وحكومته المكونة من الأحزاب الدينية والأحزاب اليمينية المتطرفة، ليبدأ سريعا خطوات الإطباق على السلطة والإمساك بتلابيب الحكم في قبضته وحده.

بدا ذلك الرفض جليا في محاولة تمرير قانون يسميه «إصلاحا للنظام القضائي» في الكيان الصهيوني إلا أن معارضيه يرونه «انقلابا قضائيا» على النقيض، اذ سيمنح حكومة «بيبي» كافة الصلاحيات وتقييد سلطات المحكمة العليا ودورها الرقابي على قرارات الحكومة، وكذلك تعيين القضاة.

الإصلاحات كما يصفها نتنياهو تسببت بحالة من الغليان داخل الكنيست الإسرائيلي، كما دفعت رئيس حزب إسرائيل بيتنا أفيجادور ليبرمان إلى وصف الحكومة بـ«الفاشلة». كما وقف ليبرمان داخل الكنيست ليحذر من أن تلك التغيرات ستؤدي إلى دمار الدولة بالكامل. خاصة وأنها القت بظلالها على المؤسسة العسكرية بعصيان عسكري غير مسبوق نفذه ضباط من سرب الجو.

ومع فقدان نتياهو لدعم السياسيين والجيش فقد ضلعا آخر من أضلاع الدولة بعدما بدأ عدد من رجال الأعمال يضيقون ذرعا بما يجر الكيان الصهيوني إليه.

ولأول مرة يتدخل الملياردير الشهير مايكل بلومبرج ليكتب في مقاله بنيويورك تايمز الأمريكية تعليقا على أداء الحكومة، واصفًا إياها بأنها «تدمر إسرائيل بفعل تصرفاتها».

ومع وجود 250 ألف متظاهر في الشارع يبدو أن رئيس الوزراء الآن أصبح بين أمرين أسهلهما صعب، وهو إما التراجع عن قراراته ومحاولة السيطرة على غضب الإسرائيليين متخليا عن حلمه بأن يكون قيصر البلاد، وبين الاستمرار ومواجهة مصير يبدو مجهولا حتى الآن.

وفي أي نظام دكتاتوري عندما يقرر الشعب مواجهة رأس السلطة بشخصه يكون قد رسم مشهد ما قبل النهاية، وهو القطعة الأخيرة في أحجية السقوط.

ذلك المشهد الذي بدا جليا عندما قرر المتظاهرون الغاضبون أن يوجهوا رسالة مباشرة إلى نتنياهو عبر زوجته التي تمت محاصرتها داخل أحد صالونات التجميل عندما كانت تقوم بعمل قصة شعر جديدة.
فعلى طريقة ماري أنطوانيت، قررت سارة نتياهو تجاهل الغضب والذهاب للحصول على قصة شعر جديدة، ومع معرفة المتظاهرين بمكانها حاصروا المكان في مشهد كاد أن يتطور لكارثة لولا تدخل الشرطة، التي تمكنت من إنقاذها في اللحظات الأخيرة قبل الفتك بها.

وبدلا من أن يرى نتنياهو أن شيئا خاطئا يحدث بفعل قراراته، اندفع نحو تهديد المتظاهرين وقال لهم إنهم تخطوا كافة الخطوط الحمراء.

وتبعته زوجته سارة التي كتبت بعد ساعات قليلة من الحادث، أن من أنقذها من الموت كانوا مجموعة من المؤيدين لها ولزوجها موجهة لهم الشكر عبر حسابها على «انستجرام»، في خطوة أكثر من استفزازيه وبعيدة كل البعد عن الحقيقة.

ويبدو أن سارة كانت تريد من رسالته أن تقوم بحشد أنصارها لينزلوا إلى الشارع في محاولة لموازنة الأمور، إلا أن مشهد النهاية لديمقراطية الدولة العبرية المزعومة قد ينطلق من تلك الدعوة.

فسارة لم تدرك بأنها بذلك تجر الكيان الصهيوني إلى مواجهة بين الميلشيات من الداعمين والمعارضين والتي سيحاول كلا منهم أن يفرض وجهة نظره هو بقوة السلاح، لتنقلب الساحة إلى ميدان حرب أهليه.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فاستمرار تجاهل «بيبي» وسارة للأوضاع المشتعلة في إسرائيل، دفع المحتجين لمحاصرة مطار بن جوريون لمنع نتنياهو من مغادرة تل أبيب وبدء رحلته إلى إيطاليا، بالتزامن أيضا مع رفض عدد من قائدي الطائرات أن يقلوه في رحلته.

نهاية قريبة.. هي ما يلحظه الجميع في تل أبيب مع اتساع موجة الغضب التي تبتلع كل ما بوجهها، ولكن السؤال المطروح هل ستكون هذه نهاية «بيبي» أم نهاية دولة احتلال كانت دائما ما تروج لنفسها على أنها جنة الديمقراطية.