أدهشونا بقابلياتهم العجائبية في تحويل كل ما هو نظيف وجميل إلى كومة من التفاهة والإنحطاط، وكل خط مستقيم إلى معوج وساكن في قعور الظلال.
لم يتركوا لنا شيئاً نأسف عليه، حتى مقدسات السماء التي نزلت إلى الأرض أمسكتها أياديهم لتتلوث بتفاهاتهم وأمزجتهم المريضة، فمارسوا بإسمها القتل وتحت شعاراتها النهب والسرقة وهم ملتحفين بسورها ومقدساتها.
السياسة ليست شيئاً مقدساً خالياً من الأخطاء بعد أن أصبحت أمزجة البشر تجيّرها لمصالحها ورغباتها الشخصية لتكون ناراً تحرق بعد أن كانت طريقاً يُضيء.
مفاهيم العمل السياسي تعرّت عنه المثالية والعمل الجماعي ولم يعد يخدم إلا أهداف سدنة المعبد وضاع علينا نحن الفقراء طريق الذهاب وحتى الإياب عندما أصبح الجميع يتآمر على الجميع في هذا العالم الضائع من الوطن.
هل نحن نعيش في رأسمالية النظام التي تولد لنا البؤس والفقر أم لا زلنا في عصور الإشتراكية التي خدعتنا بزيف المساواة بين المواطنين تمارس علينا كل وسائل الإضطهاد والإذلال؟.
أيُّ شعارات وأصوات إحترمت الزيف الكذب تصدح فينا وتقنعنا بما يريدونه؟ كروش منتفخة، أوداج وردية، قصور فارهة، نعيم صمموه بعناية فائقة، حياة لا ينقصها أي شيء سوى خلودهم في الحياة.
أما نحن البؤساء كما يسمينا فيكتور هوغو أولئك الذين يتم خداعهم مرات كثيرة بنفس الوجوه والشعارات، فمهما بلغت كثرتنا فنحن في نظرهم مجرد أرقام أو على أقل تقدير بضائع في متاجرهم السياسية، أحياء أو أموات في آن واحد، متفرجين على مسرحياتهم التي تعرض فصولها على خشبة المسرح، يستعين بنا الساسة في مواعيد الإنتخابات وفي حروبهم الدامية حين يجري إستدعائنا، كأي كبش فداء ليقرأوا أياتهم المعتادة علينا قبل الذبح لقاء شعاراتهم المعتادة "الموت لكم والحياة لنا".
في الوطن أصبحت حياتنا واجهة سياسية أو فاترينا لعرض الدمى وتماثيل يسخر من ينظر إليها، وحياة موغلة بالسخرية والإستهزاء وفي مستويات لا توصف من الإنحطاط إلى درجة أن المواطن البسيط بات يتمنى أن يشعل ناراً عملاقة ويحرق فيها كل الساسة وسدنة المعبد ليتخلص العالم من شرورهم وسيئاتهم، لكننا نتذكر أنها من أعمال الله التي لا قدرة لبشر عليها.
حتى أسباب المقاومة الضعيفة التي تستعين بها، مثل توفير فرص عمل أو إدامة الكهرباء أو حتى ماء صالح للشرب أو تلك الأحلام البسيطة المتواضعة التي تحقق لنا الكفاف والإنزواء بعيداً عنهم، لم نعد نحصل عليها بل باتت من المستحيلات.
في أحيان كثيرة نتمنى أن تتوقف الأرض عن الدوران لتتوقف مطارقهم التي تدق على رؤوسنا أو على الأقل يكون يوماً من الهدنة والتصالح، لكن في النهاية ندرك كما أخبرناهم لن يتوقفوا عن الطرق مهما توقف العالم عن الدوران، حتى وإن إستسلمنا لهم وتصالحنا معهم لن يتوقفوا عن ممارسة دورهم في إذلالنا وتركيعنا وإبادتنا إن إستطاعوا.
هل هذه السياسة التي نقصدها وتقصدنا؟ ومتى كانت هذه القذارة والخبث من صنع الوطن الذي نعيش فيه بهذا الكم من الدسائس والمؤامرات التي تملئ بها عقولنا؟.
حياتنا أصبحت جحيماً بفعل سياستهم، وأيامنا مجرد أرقام تُحذف من رزنامة التقويم بجرة قلم، لم يعد يعنينا الليل من النهار، وفي النهاية نحن مجرد دمى يحركونها متى يريدون وكيف يشاؤون، مع العلم أنهم أيضاً دمى يحركها من هو أكبر وأعلى درجة منهم، وتلك هي سنة السياسة، ألا اللعنة على تلك السياسة، وبئس السياسيين الذين يعملون بها.
التعليقات