ليست أمنية ولكنها نظرة دقيقة للواقع السياسي والتأريخي من أجل البحث عن الجواب الصحيح حسب معطيات الاحداث وخاصة الاحداث المستجدة في غزة، الدولة الكوردية حلم أكثر من اربعين مليون كوردي أو يزيدون، تجارب العقود العشرة الأخيرة أثبتت أن تأسيس دولة للكورد بإرادة ذاتية كوردية أقرب الى المستحيل، فقد تعرض الكورد الى ابادات جماعية عدة مرات مع كل محاولة لتأسيس دولة كوردية، فهناك دول قوية ذات أنظمة دموية مثل تركيا وإيران لا تسمح بتأسيس كيان كوردي مهما كلف الثمن، بالرغم أن للكورد حق تقرير المصير كشعب وأمة لها خصائص قومية ورقعة جغرافية واسعة وثقافة مميزة وتأريخ يمتد لألاف السنين، الا أن كل ذلك لا يشفع للكورد في إقامة دولتهم المعهودة. هذا الكلام يقره الواقع، ولكن لو نظرنا الى الواقع نفسه من باب آخر لأصبح الكلام يختلف..

عندما سقطت الدولة العثمانية تأسست عدة دول شرق اوسطية على انقاض الدولة العثمانية وكان وراء اسقاط الامبراطورية العثمانية وتأسيس تلك الدول الجديدة بريطانيا العظمى وفرنسا وحلفاءهما انذاك، وعندما انهار الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي أنبثقت عدة دول جديدة على اعتاب هذا الانهيار منها دول القوقاز وروسيا البيضاء واوكرانيا وغيرها، وكذلك عند انهيار يوغسلافيا تأسست دول جديدة مثل البوسنة والهرسك وصربيا وغيرها، كان وراء انهيارات هذه الدول القوية وتأسيس دول جديدة في القرن الاخير بريطانيا وأمريكا ودول التحالف الغربي، وكذلك الحال مع تأسيس دولة اسرائيل جاءت بإرادة الدول الغربية، فلو قرأنا الواقع بوضوح وتمعنا بكل هذه التغيرات سنجد أن ارادة الشعوب لم تكن لها الدور الحاسم في انبثاق هذه الدول وإنما إرادة الدول العظمى التي تتقدمهم الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا سابقاً وكذلك الحال مع تايوان وكوريا الجنوبية والباكستان وبنغلادش وجنوب السودان كلها صارت دول بفضل القوة العظمى الاولى عالمياً وهي الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ودول حلف الناتو،، ما كان لأقليم كوردستان الحالي أيضاً أن يكون له وجود لولا انهيار العراق ايضاً بفعل الضربات الامريكية ودول التحالف الغربي، إذاً هو ليس قرار تركي أو إيراني او عراقي بل هو قرار دول التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية،، أن انهيار أو سقوط أي من الدولتين إيران أو تركيا سيعني بشكل مؤكد إنشاء دولة كوردية،،، تصريحات بعض مسؤولي الادارة الامريكية ومجلس الشيوخ الامريكي بأن للكورد الحق في العيش بدولة خاصة بهم هي البداية لمستقبل مرسوم في أذهان مفكري السياسة الأمريكية، وما تعيين أمرأة أمريكية من أصول كوردية في منصب السفير للولايات المتحدة الامريكية في مصر، في قلب المنطقة الملتهبة عالمياً، الا إشارة للتوجه الامريكي الجديد في إعطاء العلاقة مع الكورد صبغة جديدة.

إيران هي الدولة الاقرب للانهيار لأن تركيا مازالت حليف قوي للغرب ولإسرائيل ومن المستبعد المساس بوحدة الاراضي التركية والوحدة التركية على الاقل في الوقت الراهن،، فالحصار الاقتصادي والمضايقات التي تخلقها الدول الغربية لإيران من خلال دعم واسناد دولة اذربيجان المجاورة المعادية لإيران وتسليم دولة افغانستان بيد طالبان المعادية عقائدياً لإيران والدعم الامريكي لأقليم كوردستان وزيادة اعداد القوات الامريكية وحلف الناتو في الشرق الاوسط وارسال الاساطيل البحرية الامريكية والضربات الإسرائيلية المستمرة للعمق الإيراني والحرب السيبرانية على مدار الساعة لكل البرامج العسكرية والمدنية الإيرانية الا دلالات لنوايا تغييرات شرق اوسطية جديدة ستفضي الى تأسيس دولة كوردستان بلا أدنى شك وقد تصبح إيران هي يوغسلافيا الجديدة أي خمسة دول جديدة، بمعنى إيران هذه المرة هي الدولة التي يجب أن تتفكك وتنهار.

أن الدليل الواضح لما نقول هو البطء والدقة في الخطوات للولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف الغربي تجاه إيران، ولم نرى أو نسمع أية ردود افعال او ردود عسكرية مباشرة من قبل دول التحالف الغربي لسلوكيات إيران العدوانية في الخليج العربي وتهديدها للملاحة البحرية وتدخلها الفاضح في العراق وعدوانها المستمر لكوردستان، هذا لا يعني أن أمريكا والغرب عاجزين عن الرد كما يحلو للبعض تصوره، فالكبار لا يتعاملون بالفتافيت أو صغائر الأمور، وهم ليسوا انفعاليين.

هناك حقيقة قد لا يلتفت إليها الكثيرون، وهي أن دول الخليج العربي وعلى رأسهم العربية السعودية أصبحت تمثل قوة سياسية واقتصادية وعسكرية واعلامية كبيرة في العالم والمنطقة في السنين الأخيرة، يمكن أن تلعب هذه الدول الخليجية دور حيوي في التغيرات القادمة في الشرق الاوسط، وهذه الدول نفسها عانت كثيراً من السلوك العدواني الايراني، فبالتأكيد لم ولن تنسى دول الخليج العربي تلك الجروح التي خلفتها إيران لهم بتدخلاتها المباشرة في شؤون الدول الخليجية وضربها للبنى التحتية لهذه الدول عن طريق وكلاءها فعند ساعة الحساب ستكون لهذه الدول كلمتها المؤثرة في تحديد مصير المنطقة، والكورد يعرفون يقيناً ثقل دول الخليج في مستقبل المنطقة لذلك أحتفظوا بالكثير من خطوط الاتصال والتعاون والتنسيق فيما بينهم استعداداً للمستقبل القادم.