بعيدا عن العمليات الاستعراضية للقوة من جانب النظام الايراني وعن التصريحات النارية المحشوة بالتهديد والوعيد، ومن خلال نظرة متفحصة هادئة للأوضاع المختلفة في إيران ولاسيما خلال الاشهرالاربعة الاخيرة، هل إن إيران تسير بإتجاه صيرورة النظام القائم كأمر واقع؟ وإذا كان الامر كذلك، فهل إن المعارضة الشعبية للنظام قد إنتهت أو وصلت الى طريق مسدود ولم يبق أمامها من خيار سوى الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع بإعتبار النظام حقيقة تفرض نفسها ولايمكن التأثير عليه وسحب البساط من تحت أقدامه؟

بعيدا عن الاساليب الانشائية والفرضيات والتخمينات، فإننا وعندما نقوم بعملية إستقراء للأوضاع في إيران وبشكل خاص خلال الاشهر الاربعة الاخيرة، فإننا نجد أنفسنا أمام جملة حقائق لايمكن إنكارها، وعلى سبيل المثال، فإنه وخلال أيام الذكرى الاولى لإنتفاضة 16 سبتمبر2022، فإن نظام يزعم بأنه قد سحق المٶامرة الكبيرة ضده "كما يصف إنتفاضة 16 سبتمبر في أدبياته"، فإن السٶال الذي يجب أن يجيب عليه هو: لما قام النظام بحالة إستنفار شاملة في كافة منشآته وقواه العسكرية والاستخباراتية والسياسية والاعلامية، ومن ماذا يتخوف هذا النظام في هكذا ذكرى تحديدا؟

كيف يمكن للنظام أن يفسر تمكن وحدات المقاومة من تنفيذ أكثر من 400 عملية مضادة ضده في سائر أرجاء إيران في ذكرى الانتفاضة، كما كيف يقدم تفسيرا لعشرات الاحتججات والاضرابات في كل يوم ومواجهة الشباب الايراني لضباط وعملاء الامن كل يوم وفي مختلف المناطق والمدن؟

النظام كان قد قام بسحق المٶامرة الكبيرة ضده على أثر مقتل الشابة الكردية مهسا أميني وإستتب الوضع على أحسن ما يرام لصالحه وإنتهت العمليات والنشاطات المضادة له، فما هو السر الذي يكمن بتنفيذه لأحكام الاعدامات بصورة ملفتة للنظر خلال هذه الفترة تحديدا بحيث إن ما تقوم به حكومة ابراهيم رئيسي من حصد للأرواح من خلال هذه الاعدامات لا نجد لها من نظير لدى حكومات العالم؟ ثم بماذا يفسر النظام قيام مجاميع قمعية مختلفة تابعة له يوميا بإعتقالات جماعية؟

إذا لم يكن النظام يشعر بخوف وقلق غير عادي من الاوضاع السائدة وإحتمالات إنفجارها ومن حقيقة إنه جالس على برميل بارود قد ينفجر به في أية لحظة، فإنه لا يبادر الى ما قد ذكرناه آنفا، خصوصا وإن النظام وفي ذروة مزاعمه بأنه قد هيأ أجواءا وأوضاعا جديدة بإمكانها أن تقف بوجه أية مٶامرة مزعومة أخرى ضده، لكن وكما يٶكد معظم المتتبعين للشأن الايراني، فإن أي تغيير إيجابي في الاوضاع والامور لم يحدث بالمرة، بل وحتى إنها وطبقا لمختلف المٶشرات قد تفاقمت وإزدادت سوءا، وفي ظل كل هذا فإن مزاعم "سحق المٶامرة" وحسم الاوضاع لصالح النظام وتلاشي المعارضة ضد النظام، ليست إلا مجرد أحلام يقظة وتمنيات وردية يحلم بها النظام منذ 44 عاما!

ومن هنا تكشف لنا محاولة النظام الإیراني - الذي بات یعیش مأزقًا قاتلاً بسبب الإنتفاضة البركانیة المترقبة – للهروب من هذا المأزق وذلك من خلال اشعال الحرب في‌ غزة... و قد اكدت السیدة مریم رجوي رئیسة الجمهوریة المنتخبة‌ للمقاومة الإیرانیة‌ في‌ تصریحاتها الأخیرة :(("اليوم، يستخدم خامنئي فلسطين كذريعة وكان حتى الأمس يتحدث عن المدافعين عن الحرم في سوريا، وقبل ذلك كان يصف نفسه ولي أمر الشيعة في اليمن ولبنان والعراق، وقرع طبول الحرب والإرهاب وجعلها تبدو وكأنها "دفاع مقدس")). ان الفاشية الدينية الحاكمة على إيران هي التي‌ واصلت الحرب المناهضة للوطن مع العراق في ظل الظروف التي توافر فيها تحقيق السلام، بشعار "فتح قدس عبر كربلاء"، وكانت المقاومة الإيرانية الجهة الوحيدة حسب اعتراف النظام نفسه التي وقفت وجها لوجه مع النظام وأجبرت خميني على تناول سُم وقف إطلاق النار.

وأضافت مريم رجوي: ((على الرغم من الاعتقالات العشوائية الواسعة وعمليات القمع المكثف والتعذيب والإعدام، لم تتمكن الدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران من علاج الوضع المتفجر للمجتمع ومنع حدوث انتفاضات أكبر. ولهذا السبب، لجأ، كدأبه المعتاد، إلى إشعال الحرب وتصدير الأزمة إلى خارج حدود إيران وهذا أمر مكشوف لدى مقاومتن)).