في أسرع تحقيق لمحكمة الجنايات الدولية وفي إسبوعها الأول من الحرب الروسية-الأوكرانية أعلنت عن جمعها لمعلومات حول إنتهاكات لحقوق الإنسان.
نستذكر هذه الواقعة ونتذكر معها الآلاف من الضحايا العراقيين في حروب العبث والإحتلال وما يحدث للفلسطينيين من إبادة جماعية وكأنهم كانوا مثل "جيش قنبيز" الذي إختفى في صحراء سيناء.
إزدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي تجعلنا نسأل إن كان ذلك مقبول إنسانياً، إذاً على من يُطبق القانون الدولي؟، إنه يطبق على البلدان التي تخضع تحت نفوذ الأقوياء وسلطتهم أو بمعنى أدق إحتلالهم، حين تتحول تلك الدول إلى أسيرة ترزح تحت نظام عالمي منافق.
ما نراه من أحداث في فلسطين أن الغرب بكل ما يتبجح به من حرية وديمقراطية فإنه بالنهاية سيكشف عن وجهه الحقيقي، وعدل مفترض لم تغادره تلك الغطرسة والفوقية التي يظهرها في المصائب الدولية.
ومهما حاول ذلك الغرب من الترقيع لسياساته والتبرير لأفعاله والتأويل سيأتيك الجواب مُستتراً أنكم شعوب من الدرجات الدنيا في التعامل الإنساني وربما لا تنتمون إلى العالم الذي نعيش فيه، بل ويذهب بهم الظن إلى التلويح بأننا دول فاشلة لا تستحق الحياة.
عالم يعيش على النفاق والرياء السياسي، عالم يذكرنا إن ما حدث في أوكرانيا التي يتباكى عليها رعاة الديمقراطية ودعاة الحرية يختلف عن العراق وسوريا وليبيا والسودان وما يحدث اليوم في فلسطين.
أين كان ذلك المجتمع المتحضر مما حدث في التسعينيات من "عاصفة الصحراء" بقيادة أمريكا وحلفائها التي أخذت البشر والحجر وحوّلت بغداد إلى أرض محترقة وأرجعت البلد إلى عصر ما قبل الصناعة وإستنساخ ذات التجربة في غزّة المحاصرة اليوم.
تلك العبرة المستفادة والخلاصة الواضحة التي يمكن أن نخرج منها إن ذلك النظام الفوقي مستعد أن يحرق المدينة بمن فيها من أجل أن يشعل سيجارته، ألم تقل يوماً مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد بوش الإبن حين سألوها عن وفاة أكثر من نصف مليون طفل عراقي من جراء الحصار الإقتصادي، فكان جوابها "إن الثمن يستحق ذلك"، ترى هل يجزي الثمن تقطيع أوصال الأطفال والنساء في غزّة؟.
حين تقول لهم أن الشعب الفلسطيني يُباد ويُقتل يأتيك الجواب جاهزاً كما قالت أولبرايت "أننا نقاتل حماس ونحاصرها ولم نحاصر الشعب الفلسطيني، مع أننا قلقون جداً جراء ما يحصل للفلسطينيين!!" فهل رأيتم إزدواجية ونفاقاً سياسياً أبلغ من ذلك؟.
إنهم يعترفون أن القوانين الدولية في وادٍ وأمنهم القومي في وادٍ آخر.
العالم يعيش اليوم زمناً شديد التعضيد بسبب تكالب قوى الإنقضاض وتوحد قرارها فيما يحدث لفلسطين وسط قرار عربي مشتت متشرذم لا يعدو كونه صرخات في واد سحيق لا يسمع حتى صداه، نحن نعيش في عالم لا يحترم سوى منطق القوي، عالم لا مجال فيه للضعيف والمتردد والجبان.
ما يحدث في فلسطين من إبادة جماعية يعري نظاماً عالمياً قائم على النفاق والمجاملة السياسية التي فضحها حصار غزّة وتجويع وتشريد أهلها، في حين إن نفس هذا العالم الذي كان يتباكى ويحشد الدعم الإنساني قبل المادي لنصرة الشعب الأوكراني، فالمتغطي بذلك النظام عريان.
الخلاصة إن ما يسمى الضعف العربي أو العجز عن إيجاد نظام قوي قادر على مواجهة نظام القوة الفوقي الآخر ليس مصادفة، وإنما هو بيئة سياسية مصنّعة دولياً وبإحكام ليظل الوضع قائماً على ما هو عليه لحين إيجاد الحل، ومتى يأتي ذلك الحل؟.
التعليقات