تتكرر في التقارير الدولية الصادرة عن منظمات معنية بحقوق الإنسان مثل "منظمة هيومان رايتس ووتش"، "منظمة العفو الدولية" و"مراسلون بلا حدود"، وفي التقارير السنوية الصادرة من قبل وزارة الخارجية الأميركية، ومعها تصريحات متتالية من القنصليات الأجنبية العاملة في إقليم كردستان، بشأن انتقاد وضع الحريات الصحفية والتعبير عن الرأي.

ورغم توارد تلك التقارير بشكلٍ دائم بهذا الشأن، تتجاهلها السلطات في إقليم كردستان_ وعلى وجه التحديد الحكومة الحالية_ التي لا تعيرها أي اهتمام، وتستمر بشكلٍ مخجل في انتهاك الحريات وحقوق الصحفيين، على الرغم من وجود قانونين مهمين لحماية الحريات الصحفية. الأول هو قانون تنظيم العمل الصحفي الصادر عام 2008 وقانون الوصول إلى المعلومات النافذ في كردستان.
مما لاشك فيه أن لهذه التقارير أهميةٌ بالغة في عكس الحالة العامة للحريات في أي دولة. ولها تأثيرٌ بالغ على سمعة أية حكومة أو سلطة تدعي الديمقراطية في العالم. وهي تشكل بالتالي معيارًا لمدى احترام الدول والحكومات لحقوق الانسان والحريات الاعلامية. ومن هذا المنطلق، فإن ما يجري في إقليم كردستان من انتهاكات صارخة للحريات، وبشكل متكرر، يعتبر تراجعًا كبيرًا عن أسس الديمقراطية التي بُنيت عليها تجربة الحكم الذاتي في كردستان عقب سنواتٍ طوال من القمع والاضطهاد الذي مارسته الأنظمة الشمولية ضد الشعب الكردي.

إن ما يجري في إقليم كردستان اليوم ضد الصحفيين وضد الحريات عمومًا يُعد تراجعًا مشينًا عن كل الشعارات التي أطلقتها قوى الثورة الكردية منذ نشوئها، بعدما كانت داعية للنضال الديمقراطي. فقد وصل حقد السلطة الحاكمة في كردستان على الحريات الصحفية إلى مدياتها القصوى من خلال زجّ العديد من الصحفيين والكتاب في سجونها ومعتقلاتها لمجرد أنهم يؤدون واجبهم المهني أو يكتبون حول مظاهر الفساد وفشل الحكومة في الالتزام بحقوق المواطنين.
وعلى الرغم من وجود قانون حول تنظيم العمل الصحفي يمنع اعتقال أو سجن الصحافيين، فإن السلطات الحاكمة_ وعبر تدخلاتها المشينة في القضاء_ تحاكم الصحفيين وفق قانون العقوبات العراقي الذي شُرّع في عهد النظام البعثي الذي يسمح بسجن ومحاكمة الصحافي جراء تعبيره عن الرأي، أو انتقاد السلطة الحاكمة.

ودفع الصحافيون والكتاب الكرد ضريبة باهظة نتيجة تلك التدخلات غير المبررة في الشأن القضائي من قبل السلطة السياسية.
فعلى سبيل المثال، هناك صحافيون من منطقة بهدينان يقضون سنوات من حكم ظالم صدر بحقهم لمجرد مشاركتهم أو تغطيتهم للمظاهرات الشعبية التي اندلعت في المنطقة قبل سنوات احتجاجا على الانتهاكات التركية في كردستان العراق.

وعلى الرغم من أن رئاسة إقليم كردستان أصدرت العام الفائت قانونًا للعفو يشمل هؤلاء المحكومين، ترفض السلطة الحاكمة ممثلة بحكومة الإقليم الافراج عنهم. بل وتستمر في غيها بتحريك دعاوى كيدية جديدة ضدهم بهدف ابقائهم أطول مدة ممكنة داخل السجون!
فالصحفي الكردي شيروان شيرواني الذي حُكِمَ عليه بالسجن لست سنوات، تم تحريك دعوى أخرى ضده بتهمة تزوير إمضاء زملائه. وحكم عليه بالسجن مجددًا لسنتين.
أما زميله الآخر كوهدار زيباري، فبعد أن حان وقت خروجه من السجن مشمولاً بتخفيض حكمه بقانون العفو ، تمت محاكمته مرة أخرى بتهمة حمله لسلاح هو عبارة عن بندقية صيد قديمة علقت بجدران منزل أخته للذكرى!
والأغرب من ذلك، أن السلطة الحاكمة جنّدت عددًا كبيرًا من مخبريها وأجهزة أمنها لتعقب الكتابات والمقالات المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي. فخلقت بذلك جوًا من الإرهاب الفكري بحيث أصبح قراء تلك المقالات والكتابات خائفين حتى من كتابة تعليقات عليها تحسبًا من قطع أرزاقهم أو طردهم من وظائفهم. وهذا يعد بأوضح صوره إرهابًا فكريًا تمارسه السلطات القمعية بحق شعوبها!
لقد تحول إقليم كردستان بسبب هذه الاجراءات القمعية والسلطوية إلى سجنٍ كبير للكتّاب الأحرار وللصحفيين الذين يؤدون واجباتهم الإعلامية.
والمضحك المبكي في الأمر كله ، أن هناك دائرة خاصة تابعة لحكومة الإقليم باسم ( دائرة الرد على التقارير الدولية ) مهمتها تكذيب كل التقارير الصادرة حول الانتهاكات الصارخة للحريات في كردستان ، حتى أنها دأبت على اتهام الجهات التي تصدر عنها تلك التقارير بأنها منحازة وتتآمر ضد حكومة الإقليم ومنها تقارير وزارة الخارجية الأمريكية ومنظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش ! .
إن ما يجري في إقليم كردستان من انتهاكات صارخة لحقوق الانسان ولحق المواطنين من التظاهر وقمع الحريات المدنية والاعلامية يعتبر في كل الأحوال بمثابة ناقوس خطر يهدد الكيان الكردي الذي تأسس بتضحية مئات الألوف من أبناء الشعب الكردي الذي ناضلوا وضحوا بدمائهم من أجل بناء مجتمع كردستاني متحرر من الدكتاتورية والقمع السلطوي.