يقال إن الحفاظ على السلام أصعب من صنعه، لذلك فإن إحلال السلام وتثبيته داخل المجتمع الواحد وفي العلاقات بين الدول المتجاورة، وتالياً العالم كله، كان دائماً مطلباً عاماً بالنسبة إلى الأفراد والأسر والمجتمعات. لذلك نجد أن القادة العظام يسعون جهدهم إلى إحلال السلام الاجتماعي بين مختلف طبقات المجتمع، ويحاولون منع الخلافات العرقية والدينية والطائفية والإقليمية من التسبب بالانقسامات والحروب والصراعات الدموية. يعرف هؤلاء القادة والحكام المسالمين معنى ومفهوم السلام جيداً، ويدركون أنه لا يمكن تحقيق التنمية والتقدم والرخاء والعدالة في البلدان والمجتمعات إلا من خلال السلام والوحدة والتكاتف. في المقابل، تؤدي الحروب والصراعات الدموية إلى زيادة الدمار وظواهر الفقر والبطالة والجوع والجريمة.

رغم كل هذه الحقائق، لم يخلُ تاريخ الإنسان من الحروب والصراعات الدموية والاحتلال والقتل، وأسباب ودوافع كل هذه الحروب والويلات تعود إلى الرغبات النرجسية للقادة والطغاة من أجل توسيع صلاحياتهم وإشباع غرائزهم الأنانية وتحقيق ملذاتم، غير مدركين أن السعادة وراحة البال أعظم بكثير من السعادة المؤقتة الدنيوية والسلطوية، كما يجهلون حقيقة أن الانتصارات الحقيقية والدائمة تلك التي تأتي من السلام، وليس النصر في الحروب.

لحسن الحظ في عصرنا المتقدم هذا، عصر التكنولوجيا والاتصالات والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والعولمة، فإن المجتمعات الإنسانية تعمل معاً لتحقيق الاستقرار وإرساء السلام الحقيقي في كل ركن من أركان العالم، وذلك تحقيقاً لإرادة المجتمعات المتقدمة والمتخلفة على السواء، في جنوب الكرة الأرضية وفي شمالها، ورغبة الناس في السلام والمصالحة والتعايش معاً.

الكل ضد الحروب الدامية، والجميع يطالب بحماية حقوق الإنسان والأطفال والمسنين والمعاقين والأسرى ولاجئي الحروب. لذا اطمئن كل الاطمئنان بان إرادة وطلب تثبيت وفرض السلام فى العالم سوف تنتصر على إرادة اللامشروعة للحروب والاقتتال بين المجتمعات والدول والشعوب. وأبرز الأمثلة على ذلك هو التوجه العالمي الطابع لفرض السلام ووقف الحرب الدموية بين الفلسطينيين وإسرائيل المستمرة في قطاع غزة منذ ما يقرب من 50 يوماً بأعنف الطرق وأكثرها دموية ومع الاسف الشديد فان اكثرية الضحايا بين الاطفال والنساء والمسنين العزل.

إن المظاهرات الحاشدة في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وحتى الولايات المتحدة، وكذلك داخل الجاليات اليهودية وفي إندونيسيا وماليزيا وأستراليا وغيرها، هي علامة مهمة على بقاء ضمائر الناس حية. وكما يقال، فإن السلام يصنعه دائماً ويعززه ويحميه الشجعان، بينما يلجأ الجبناء والأنانيون والنرجسيون إلى الحرب والدمار لحماية أنفسهم والاختباء خلف أسوارهم المنهارة وأحلامهم المهتزة. ومن حسن الحظ فى عالمنا اليوم أن صوت السلام هو أجرأ وأوسع وأقوى من صوت المحاربين.

لذلك، ومن أجل حماية الإنسانية وهذه الحضارة المتقدمة، لا بد من إحلال السلام الحقيقي، وعلينا جميعا أن نصبح الحصن الحصين للحفاظ على السلام العالمي، بغض النظر عن الاختلافات العرقية والدينية والطائفية بين الناس والشعوب والمجتمعات البشرية.