لم يكن قصف غزة ومسح أحياء بكاملها عن وجه الأرض عملاً تستهدف من خلاله إسرائيل غزة أو حماس أو الفصائل فحسب، بقدر ما كان هدفها من الحرب المجنونة، هي وأميركا والغرب المتصهين، أن تبعث برسالة إلى الدول العربية وقادتها، مفادها أن كل من يجرؤ على مخالفة أوامر سيد البيت الأبيض والغرب ستناله ذراع الغرب الطائلة، أي إسرائيل، وتسحقه كما سحقت غزة.

تعلمت أميركا من خلال حربها على العراق وأفغانستان أنَّ التورط في حروب ما وراء البحار يكلفها الكثير، وأنها كدولة عظمى، لا يليق بها أن تدخل في معارك وحروب مع جماعات مسلحة كطالبان والفصائل العراقية والسورية، فانتهجت لنفسها نهجاً جديداً، وهو أن تصنع لها ذراعاً ضاربة ورأس حربة في قلب الوطن العربي والعالم الإسلامي، كما صنعت إيران حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والعصائب والحشد الشعبي في العراق، وتعلمت أميركا نظام الحرب بالوكالة كما تتفنن به إيران اليوم.

إنَّ الدول العربية والإسلامية، وبالرغم من قدراتها الضخمة وقممها التي عقدت من أجل الحرب على غزة، لم تستطع أن تغير شيئاً في المعادلة، ولا أن تكسر الحصار على غزة، ولا أن تدخل شاحنة مساعدات واحدة إليها، إلا بعد أن سمح لها بذلك سيِّد البيت الأبيض، ولم تستطع الدول العربية والإسلامية التي يزيد عددها عن خمسين دولة أن توقف الحرب، أو تفرض هدنة إنسانيَّة، وكانت هذه الدول تراقب عن كثب تدمير قطاع غزة وسحقه قطعة قطعة، وكأنَّما السيد الأكبر المهيمن يريهم الحال الذي ستؤول إليه بلدانهم وكراسيهم وعروشهم لو خالف أحدهم الأوامر.

هذه الحرب الطاحنة على غزة علمت الكثيرين أن ثمة نظاماً دولياً يضرب باتجاهين، تدمير روسيا عن طريق الرئيس فولوديمير زيلينسكي، قائد حرب أوكرانيا، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (وزمرته) قائد حرب غزة، وذلك لإخضاع منطقة شرق المتوسط وشمال أفريقيا والعالم الاسلامي.

إنَّها دروس التاريخ وعبر الجغرافيا، وما لم تملك الأمَّة وسيلة أخرى لاتقاء الشر، وتقوية العضد، وتفعيل القوى العربية مجتمعة، فإنَّ القادم أسوأ وأعظم.

حمى الله أهل غزة.