من المعلوم أن عدد أيام الشهر هي 30 يوماً فيما يتعلق بالمطالبة بالحقوق والالتزامات، والديون والواردات، والمصاريف والمستحقات، وهذا ما نص عليه الدستور والقوانين في المدد القانونية المحددة للطعون والتبليغات وسقوط الحقوق بالتقادم المسقط للحق أو لعدم اتباع الشكلية في المدد القانونية المقررة لقبول الدعاوى أمام القضاء.
ويمثل بداية كل شهر، أو ما يعرف بالعامية "راس الشهر"، حدثاً أو مناسبة مهمة تجتمع فيها الكثير من المواعيد والالتزامات التي أصبحت تُثقل كاهل العائلة العراقية بالمصاريف ومجالات الإنفاق الجديدة التي لم تكن معروفة سابقاً، فكل شيئ في العراق اليوم بفلوس (أو بالدولار)؛ الإيجارات وأقساط الكليات والمعاهد والمدارس الأهلية وأجور الماء وكارتات الكهرباء والموبايل والإنترنت وأقساط التعليم ونفقات الصحة والخدمات والأمن والنقل، وغيرها من المصاريف التي تجتمع لتشكل رقماً يستنزف معظم أو كل الراتب الذي ينتظره الموظف في رأس كل شهر.
مواعيد ثابتة
وإذا كان مستقراً وثابتاً في العراق استلام الموظفين والمتقاعدين والمرتبطين بعقود رواتبهم في مواعيد ثابتة منتظمة من خلال بطاقات الدفع والائتمان أو البنوك التي تحول الرواتب، مع ما عليها من ملاحظات وانتقادات، فإنَّ حصول الموظف أو فرحته برأس الشهر في إقليم كوردستان لا وجود لها، بل يمثل هذا التاريخ يوم معاناة وحساب ووعود بالدفع ورجاء بالانتظار حتى يحين موعد استلام الراتب.
مشكلة الرواتب في الإقليم، التي تكمل بعد عدة أيام عامها العاشر، والتي بدأت عام 2014 ولم تنجح عشرات أو مئات الزيارات واللقاءات والاتفاقات والتعهدات في حلها، حيث تدفع الأزمات الاقتصادية والسياسية المستمرة بين حكومة الإقليم والحكومات العراقية المتعاقبة الموظفين إلى المطالبة والغضب والاحتجاج، بل واليأس من كل ما يجري في دهاليز واتفاقيات المسؤولين الذين لا يظهر عليهم ولا على عوائلهم وأقاربهم وحاشياتهم أي تأثر أو ضرر من هذه الأزمة المستعصية، والتي هي سبب لارتفاع حالات الطلاق والانتحار وانتشار المخدرات والقمار وجرائم النصب والاحتيال وغيرها من الجرائم المختلقة.
هذا الواقع يدفع بالكثير من الموظفين إلى المطالبة باستلام رواتبهم من أي جهة أو بأي طريقة، بعيداً عن كل التبريرات أو الحجج القانونية أو الدستورية أو الفنية التي يتذرع بها هذا الطرف أو ذاك، بل هناك أصوات قوية وكثيرة تطالب بنقل الرواتب إلى وزارة المالية العراقية التي لا تتأخر في صرف رواتب الموظفين رغم الأزمات الموجودة في العراق، واستمرار تأخر صرفها في الإقليم لأكثر من 50 يوماً.
لقد قامت حكومة الإقليم بتطبيق نظام ادخار الرواتب منذ شهر شباط/فبراير 2016 بنسب تراوحت بين 15% و75%، ثم أجرت تعديلاً على النظام عام 2018 لتصبح نسب الاستقطاع بين 10% و30%، ما يمثل مبالغ ضخمة وكبيرة تم استقطاعها من الرواتب بنسبة عامة لا تقل عن 21%، أي ما يقرب من ربع الراتب فيما عرف بالادخار الإجباري، فيما بقيت، بل وازدادت، مصاريف والتزامات الناس والموظفين بدفع الديون والأقساط وديون الحكومة والرسوم الكثيرة والكبيرة على معظم الدوائر والخدمات.
كما تتفاقم المشكلات بسبب تدني قيمة الدينار وارتفاع سعر صرف الدولار الذي يكاد يتحول إلى العملة الرئيسية أو الأولى في التعاملات اليومية، لأنَّ أغلبية السلع والخدمات تسعَّر بالدولار، فإيجارات وأقساط شراء الدور والشقق السكنية والمحلات والأسواق التجارية معظمها بالدولار، وأقساط الكليات والمدارس الأهلية وكارتات الكهرباء والموبايل والإنترنت بل وحتى الديون والالتزامات معظمها بالدولار، وهو ما يشكل ضغوطاً ومصاعب على المواطن والموظف.
مشكلة وأزمة، أو مُصيبة، رواتب الموظفين في إقليم كوردستان تحتاج إلى حل سريع وواضح وصريح من كل الجهات والرئاسات والشخصيات والمناصب والأسماء في العراق والإقليم، لأن للموظف الحق في استلام راتبه رأس كل شهر، ولا علاقة له بأي أزمة أو مشكلة أو اتفاق أو نصوص دستورية أو قانونية، وكلها يجب أن تكون بخدمة المواطن لا ضده عندما يحل رأس الشهر وماكو راتب ولا حتى عنه خبر.
التعليقات